الفريزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ.(أرشيف)
الفريزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ.(أرشيف)
الجمعة 16 مارس 2018 / 20:20

كلكم تعرفون هوكينغ

كبرت، كبرت كثيراً، على معاتبة من صارت هوايتهم هي "الركمجة" باستعراضية وسفسطة فوق كل موجة تضرب وسائل التواصل الاجتماعي

حينما مات ستيفن هوكينغ قبل أيام معدودة، وجدتني قد تسمرت بمعية أحد الزملاء أمام شاشة راحت تستعرض حياة الراحل وإنجازاته ومؤلفاته.

لم يكن لدينا شك حول هويته، ولم تحتج أعيننا إلى اكتشاف ملامحه وإطار نظارته والالتواء في رقبته. لقد كنا ننظر إلى الفيزيائي الأشهر لأمثالنا من عوام.

"وهل هوكينغ هو من ألّف كتاب ’الكون في قشرة جوز؟‘ أيعقل ذلك؟"، تساءل زميلي مصدوماً، إذ لم يعرف يوماً أن الكتاب الذي انكب على قراءته بنهم وإعجاب كانت قد كتبته عملية بطيئة مضنية اعتمدت على حركة عضلة الخد لدى العالم البريطاني.

سحرتني السخرية في أن زميلي الذي كان قد قرأ الكتاب، فحاز على المعرفة اللازمة لشرحه، أو اقتراحه على عابر محتار في أحد أقسام "كينوكونيا"، لم يمتلك موهبة الادعاء، والتي لا تستدعي أكثر من أن يعرف هوكينغ بالاسم، ويحفظ قصة حياته كما وردت في "ويكيبيديا"، فيكتب تغريدة، أو منشوراً فيس بوكياً، لينعيه فيه وكأنما كان يثني عنده الركب، وينفض الغبار عن كرسيه المتحرك.

ولكني قد كبرت، كبرت كثيراً، على معاتبة من صارت هوايتهم هي "الركمجة" باستعراضية وسفسطة فوق كل موجة تضرب وسائل التواصل الاجتماعي.

أعترف بأني لم أعد أجد المتعة في أن أخل بتوازن الكذبة التي يقفون عليها، ولم يعد يضحكني بالضرورة أن أراهم ينكبّون على وجوههم في ضحالتهم، أولئك الذين أصبحوا خبراء لبولييود حين توقّف قلب سريديفي كابور، أو غفلوا عن التأكد من جنس أمل دنقل حين اقتبسوا قصائده من "غوغل"، أو أرغموا آذانهم على تذوّق غرابة أطوار ديفيد باوي ليجاروا محبيه.

لا يهمني أن أثبت أن هذه الأسماء لم تكن تسترعي انتباههم قبل سويعات فقط من حلولها في قوائم الأشد تداولاً وبحثاً، وقبل تصدّر أعمالها وفنونها للأكثر طلباً وشراء عبر الإنترنت. لا يعنيني أن فلاناً النائح على وفاة هوكينغ كان يعتقد حتى مساء الثلاثاء الماضي أن الثقوب السوداء ترمز للفراغ في وسط "الدونات".

المزعج حقاً هو سعي تيار مقابل لاحتكار كل شيء لنفسه، وكأنما قد امتلك وثائقيات إدوارد سعيد، ومصنفات فيرناندو بيسوا، وحفلات موسيقى الجاز، وشيّد حولها نادياً خاصاً لا يستطيع أن يقفل الأبواب دونه، ولكنه يعلّق على جدرانه احتقاراً وازدراء أثرياً فريداً ومخصوصاً لـ"حديثي الثقافة".

أكاد أتخيلهم، أولئك الذين وُلدوا وفي فمهم ملاعق الوعي الذهبية، أو كانوا قد سبقوا الآخرين إليها –على الأقل-، وهم يرددون عبارة "الله يرحم..." فيما ينظرون بشزر واشمئزاز إلى الوافدين الجدد، المفرطين في التباهي بالبريق "الفالصو" حول معاصمهم.

وأعدكم بأن المشهد سيزيد هزلاً على هزل، ذلك أن هؤلاء الذين يتصرفون كالورثة الشرعيين للأدب والثقافة والفنون الجميلة هم أيضاً من يتذمر من الفقر المعرفي خلف أسوارهم الطاردة!

دعوا الناس وشأنهم، فرب ادعاء زائف يتمخض عنه وعي حقيقي.