رئيس النظام السوري بشار الأسد(أرشيف)
رئيس النظام السوري بشار الأسد(أرشيف)
الثلاثاء 20 مارس 2018 / 13:50

هل يفلت الأسد من العقاب مجدداً؟

تساءل الصحافي جوش روجين، في عموده بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عما إذا كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سيسمح بأن يفلت بشار الأسد من دون عقاب لاستخدامه الأسلحة الكيماوية في سوريا.

مصالح وأخلاقيات الولايات المتحدة تفترض حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيماوية، لاسيما أن استمرار الفظائع الوحشية يقود إلى زيادة تدفق اللاجئين وتعميق جذور التطرف

وكانت إدارة ترامب أكدت من قبل أنها لن تتسامح مع هجمات الأسلحة الكيماوية المستخدمة من قبل نظام الأسد وشركائه في سوريا، حيث تفيد تقارير موثوق بها عن استخدام غاز السارين إلى جانب الانتشار الواسع لغاز الكلور. ومع ذلك، لا توجد خطة حقيقية حتى الآن لوقف جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد في سوريا، وباتت مصداقية الولايات المتحدة على المحك.

معاقبة موسكو وطهران
ومع دخول الحرب السورية عامها الثامن، حض الجنرال إتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي الأمريكي، على معاقبة موسكو وطهران بسبب دورهما في الفظائع المستمرة بسوريا؛ وخاصة لأن مثل هذه الأفعال يجب أن تكون له عواقب سياسية واقتصادية خطيرة.

وينقل روجين عن ماكماستر قوله: "على جميع الدول المتحضرة محاسبة إيران وروسيا على تورطهما في ارتكاب مثل هذه الفظائع وتعمد إطالة أمد المعاناة الإنسانية في سوريا، ولا ينبغي أبداً أن يفلت الأسد وداعموه من العقاب على جرائمهم".

ويعتبر روجين أن هجمات نظام الأسد ضد المدنيين في الغوطة الشرقية قرب دمشق هي الأسوأ الآن؛ إذ يتعرض قرابة 400 ألف شخص للحصار من قبل قوات الأسد المدعومة من الميليشيات الإيرانية والقوات الجوية الروسية، وفي كثير من الأحيان تتعرض الغوطة لوابل من القصف بقنابل الغاز القاتل لدرجة أن المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا وصف الغوطة الشرقية بأنها "بؤرة المعاناة".

مصداقية التهديدات الأمريكية
ومن غير الواضح حتى الآن مدى استعداد إدارة ترامب للتدخل في هذا الأمر؛ فخلال الأسبوع الماضي هددت نيكي هالي، مندوبة الولايات المتحدة الدائمة لدى الأمم المتحدة، بأن رد الرئيس ترامب سيكون عسكريا (كما فعل في شهر أبريل الماضي) إذا استمر في استخدام الأسلحة الكيماوية، وقالت هالي: "عندما يخفق المجتمع الدولي دوما في اتخاذ الإجراء المناسب، فإن ثمة أوقاتاً تضطر فيها الدول إلى التدخل واتخاذ إجراءاتها الخاصة".

وعلى الرغم من اهتمام الدبلوماسيين في جميع أنحاء العالم بتحليل مدى مصداقية تهديدات هالي التي تناقلتها وكالات الأنباء، وتحذير روسيا من أنها سترد هذه المرة، لم يعتمد أي قرار بشأن استخدام القوة العسكرية؛ وبخاصة لأن البنتاغون لا يفضل مهاجمة الأسد قرب دمشق. وبينما وصف وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس استمرار الأسد في استخدام أسلحة الغازات السامة بأنه "أمر طائش للغاية"، كان وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون يفضل التفاوض مع موسكو قبل إقالته، أما وجهات نظر الرئيس ترامب الشخصية فهي لا تزال غير معروفة حتى الآن.

أوضاع فوضوية
ويلفت روجين إلى أنه يتعين على إدارة ترامب إثبات استخدام الأسلحة الكيماوية قبل شن أي ضربات، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً في ظل الوضع الفوضوي على الأرض. وحتى مع توافر بعض الأدلة الوافرة على وقوع هجمات بالكلورين لدى عمال الانقاذ والأطباء المحليين، فإن التحقيق ربما يستغرق شهوراً. ولذلك تبحث الولايات المتحدة وشركاؤها عن أدوات أخرى. وعلى سبيل المثال يحاول فريق هالي التفاوض بجدية على إصدار قرار جديد لوقف إطلاق النار من قبل الأمم المتحدة، إضافة إلى قرار جديد بشأن مراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية، بيد أن روسيا على الأرجح لن تسمح بذلك.

وعلى الرغم من ذلك، يحض المقال الولايات المتحدة على حماية المدنيين من الأسلحة الكيماوية وزيادة الضغط على موسكو وطهران وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن دعم المجتمع المدني في المناطق المحررة من داعش ومتابعة محاسبة مجرمي الحرب.

عقوبات ضد الأسد
وكان مجلس النواب الأمريكي قد أصدر تشريعاً لفرض عقوبات ضد الأسد بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها ضد المدنيين ويُطلق عليه "قانون قيصر" (نسبة إلى المصور العسكري السوري الذي قام بتسريب 55 ألف صورة تثبت جرائم التعذيب الوحشية التي قام بها نظام الأسد ضد المدنيين)، ولكن السناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، يحبذ إصدار تشريع بديل يركز أكثر على التحقيق بجرائم الحرب. والواقع أن إدارة ترامب لم تتخذ القرار بعد وتحسم الأمر باختيار أحد النهجين.

ويحذر روجين من أن عدم التدخل قبل سقوط الغوطة الشرقية من شأنه أن يكشف أن تحذيرات كل من هالي وماكماستر ما هي إلا "خدعة"، وهذا سيقود إلى كارثة بالنسبة إلى المواجهة الدبلوماسية القادمة مع الأسد وروسيا وإيران في أجزاء أخرى من سوريا.

الدول المارقة
ويستعرض روجين عدداً من وجهات النظر التي تفيد أن الأسد يختبر جدية إدارة ترامب في الرد العسكري. وطالما أن نظام الأسد قادر على مواصلة القصف دون عواقب، فإنه لن يجلس قط على طاولة المفاوضات. والأخطر أن عدم رد أوباما على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا لا يشجع الأسد فحسب وإنما أيضاً الدول المارقة الأخرى بما في ذلك إيران وكوريا الشمالية. ولذلك فإن المصالح الجوهرية للأمن القومي الأمريكي متورطة في سوريا.

ويختم روجين بأن مصالح وأخلاقيات الولايات المتحدة تفترض حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيماوية، لاسيما أن استمرار الفظائع الوحشية يقود إلى زيادة تدفق اللاجئين وتعميق جذور التطرف، ويعني هذا أن الحرب لن تنتهي أبداً.