الرئيس السوري بشار الأسد بين جنود سوريين في الغوطة الشرقية (أرشيف)
الرئيس السوري بشار الأسد بين جنود سوريين في الغوطة الشرقية (أرشيف)
الثلاثاء 20 مارس 2018 / 20:40

ثمن الثورة وثمن الاستبداد مضاعفاً

كان الأمر يستحق عند الإثنين، المستبد والثائر، كمقامرين أرادا إنهاء اللعبة، فقررا اللعب وفقاً لقاعدة "كل شيء، أو لا شيء".

على الرغم من الشعارين المتناقضين: حرية للأبد، والأسد أو نحرق البلد، غامر الطرفان بالبلد، من حيث التشارك في صنع المأساة بين سبب ومسبب، وإن كانت الأرقام تؤكد إيغال النظام في الدم السوري بما لا يقاس بمساهمة المعارضة المسلحة في ذلك

هكذا بدأت الثورة السورية، بعد أيام من انطلاقها حركة احتجاج مطلبية، عندما تحولت إلى شعار إسقاط النظام، وهكذا كان رد النظام بالتدرج في استعمال القوة بالقتل الفردي والاعتقالات قبل استخدام الدبابات ثم المدافع والطائرات، والبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي، إما أن تعودوا إلى حظيرة الطاعة، أو الموت والتغييب في انتظاركم.

ولو لم يكن الأمر يستحق كل هذه التضحيات عند الثائر لما كان رد فعل النظام الأسدي ما رأيناه خلال السنوات السبع الأولى من الثورة التي بدأت عامها الثامن قبل أيام.

ولأن النظام لم يكن على استعداد للتنازل عن مزرعته، ذهب المعارضون إلى حد تحدي مقولة "ما قلنالكم" التي يعرفونها أكثر حتى من الرماديين ومن الموالين.

ورغم الشعارين المتناقضين: حرية للأبد، والأسد أو نحرق البلد، غامر الطرفان بالبلد، من حيث التشارك في صنع المأساة بين سبب ومسبب، وإن كانت الأرقام تؤكد إيغال النظام في الدم السوري بما لا يقاس بمساهمة المعارضة المسلحة في ذلك.

وهنا، لا بد أن نذكر أنفسنا أن نبل غاية الثائر وتضحياته كانت دائماً تقابل خبث غاية المستبد وإجرامه، لتزول أي شبهة للمساواة بينهما في المسؤولية عن إحراق البلد.

رغم أن كلا الطرفين ساهم في إحراق البلد، لكن بنصيبين غير متساويين، ولغايتين غير متماثلتين.

هل كان يمكن ألا تحدث الثورة مطلقاً؟ الجواب المؤكد أن تأجيلها أربعين سنة كان يمكن أن يستمر لسنوات، أو عشرات السنوات، لكنها كانت ستحدث في النهاية بطريقة، أو بأخرى، وبسيناريو دموي مماثل، أو أشد ربما، وربما بانتقال سلس.

ولا أحد يمكنه الجزم بشأن ذلك.

بل كان يمكن لتحول سياسي أن يحدث في سوريا في ما بعد 2003، عام احتلال العراق، عندما جرى تعويم مصطلح "الفوضى الخلاقة"، ووضعت تقارير أمريكية غير رسمية دولاً عربية عدة على لائحة "فيالق الديمقراطية" عبر الدبابات الأمريكية، ومن بينها سوريا، لكنها لم تجد حينها الحامل السياسي الكافي لمواصلة غزو المنطقة، خاصةً أن المقاومة العراقية بدأت تزعج الانتصار الأمريكي الهادئ والسهل منذ نهايات 2003. كما أن النظام الأسدي استبق احتمال غزو دمشق بتسهيل مرور "المجاهدين" عبر شمال شرق سوريا في اتجاه العراق، فنشبت معركة ديبلوماسية بين واشنطن والنظام الأسدي انتهت بشبه انتصار للنظام، عبر تجميد حركة مرور "المجاهدين" إلى العراق، واعتقال العائدين منهم عبر الطريق نفسها.

هذه الأسئلة، والاستدراكات، تثيرها حالة التشاؤم السائدة التي لم تصل إلى حد اليأس، مع اجتهادات بعض المحللين التي وضعت غزو تركيا لعفرين في مقابل معركة الغوطة، والذهاب إلى حد تأكيد أن الربط بينهما واقع، وليس مصادفةً، وكأن في مقدور الرئيس التركي أردوغان الممانعة في حدوث معركة الغوطة.

صحيح أن تركيا كانت عاجزة عن شن معركة "غصن الزيتون" لولا اتفاق بين أنقرة وموسكو، مع رضوخ ضمني من النظام الأسدي، لكن الجزم بربط المعركتين لا سند له في الواقع، فالمعركتان منفصلتان تماماً لولا أن المنطقتين سوريتين. وما يجعلهما منفصلتين، أيضاً، فقدان أي ربط بين "أكراد حزب الاتحاد الديموقراطي"، وبين الفصيلين الرئيسيين في الغوطة، حيث لا يوجد ما يثبت أن تركيا تدعم "جيش الإسلام"، رغم استقبالها قائد "جيش الإسلام" السابق، زهران علوش، قبل ثلاث سنوات في أنقرة واسطنبول.

كما لا يوجد ربط تكتيكي بين احتمال خسارة المعارضة للغوطة الشرقية، وبين خسارة أكراد "حزب الاتحاد الديمقراطي" لعفرين، إلا إذا شئنا تخيل أن أردوغان يقدم خدمة لبشار الأسد بلجم طموحات الأكراد هناك، مصلحة مشتركة بينهما، وحتى لا تصادف حاكم دمشق مشكلات كبيرة في محاولة إعادة تدجين الأكراد مرة أخرى.

وهذا التخيل التحليلي يعني ضمناً أن أردوغان، وتركيا، ذاهبة إلى تطبيع العلاقات مع بشار الأسد بعد وقت قد لا يطول إذا انتهت المأساة السورية بكمون الثورة إلى حين.

وعلى هامش ذلك، يمكن الحديث عن توقيت زيارة بشار الأسد لجزيرة أمنية ما في الغوطة الشرقية، وتجوله في سيارة يقودها بنفسه في دمشق، وبين توقيت إعلان سقوط عفرين، فكلا الحدثين يرتبطان بتاريخ 18 مارس (آذار)، اليوم الذي انطلقت فيه مظاهرات درعا قبل سبع سنوات.

قد يكون توقيت تاريخ سقوط عفرين في هدا اليوم من باب الصدفة، لكن استعراض بشار الأسد في الغوطة له دلالته، رغم عدم سقوط الغوطة بيد قواته وميليشياته، حيث لا يزال القتال دائراً هناك، بالتوازي مع توقعات بإخراج صفقة تجنب ما تبقى من أهالي الغوطة الفناء التام بقصف الطائرات الروسية خاصة.

في السياسة، يمكن "تبرير" سقوط أكثر من 500 ألف قتيل من أجل الحرية، لكن لا أحد يمكن أن يدافع أخلاقياً عن ذلك، خاصةً أن معظم هؤلاء الضحايا أبرياء مدنيون، ولم يأخذ أحد رأيهم في ما إذا كانوا يفضلون الاختيار بين الحرية أو الموت، أو يفضلون الذل مع الحياة كما كانت تسير في سوريا.