الأربعاء 21 مارس 2018 / 11:08

هل يتآمر الإعلام الغربي على مصر؟

محمد شومان ـ الحياة

يمكن القول بوجود حالة عامة من عدم الرضا عن التغطيات الإعلامية الغربية لما يدور في مصر منذ الإطاحة بالإخوان في حزيران (يونيو) 2013 وحتى اللحظة الراهنة، وانتقد مسؤولون رسميون وممثلون عن المجتمع المدني تغطية أغلب الميديا الغربية لما يجري في مصر، لأنها غير متوازنة ومتحيزة وتنطلق من أحكام مسبقة في رؤية وتقييم الأحداث والتطورات الساسية والاقتصادية بما في ذلك الانتخابات الرئاسية التي تجري الأسبوع المقبل.

قطار عدم الرضا مرّ بمحطات وأحداث كثيرة شكّلت نقاط توتر، وشداً وجذباً بين الجانبين كان آخرها فيلم وثائقي أذاعته "بي بي سي" بعنوان "سحق المعارضة في مصر"؛ ادعت فيه وجود حالات من الاختفاء القسري، كان من بينها حالة السيدة زبيدة التي قالت أمها إنها اختفت ولا تعرف مكانها، لكن سرعان ما تبين عدم صحة الواقعة، حيث أطلت زبيدة من قناة تلفزيونية وأعلنت أنها انفصلت عن أمها، وتزوّجت منذ عام وتمارس حياتها بحرية ومن دون مضايقات أمنية!

وقبل حالة الفتاة زبيدة، ارتكبت "بي بي سي" ووكالتان غربيتان للأنباء خطأً مهنياً وأخلاقياً جسيماً عندما أعلنوا مقتل 53 رجل أمن في حادث الواحات الإرهابي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتجاهلوا الرواية الرسمية التي أعلنت استشهاد 16 فرد أمن، وهي رواية صحيحة، بما أن أصحاب الرواية الأخرى فشلوا في إثبات صحة روايتهم، كما لم يقدموا تصحيحاً للخبر أو اعتذاراً لائقاً، ومع ذلك فإن هيئة الاستعلامات المصرية منحت "بي بي سي" ووسائل الإعلام الغربية والعربية كافة تصاريح لتغطية الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولاتزال "بي بي سي" تعمل مِن مكتبها في القاهرة من دون أي مضايقات. والحقيقة أن لدى غالبية وسائل الإعلام الغربية تحيزات في ما يتعلق بتغطية الأوضاع في مصر أو في المنطقة العربية ويمكن رصد أهم مظاهرها في التالي:-

أولاً: إطلاق تسميات غير دقيقة وتنميط ومسرحة الأحداث، حيث تسمي الجماعات الإرهابية في سيناء "الجماعات المسلحة" أو "المعارضة المسلحة". وكان من غير اللائق مهنياً وأخلاقياً وصف منفذي الهجوم الإرهابي البشع على مسجد في شمال سيناء في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي (أسقط 305 شهداء من بينهم 27 طفلاً) بأنهم "ميليشيات مسلحة معارضة للحكومة تعمل في سيناء". كذلك استخدمت تعبير "جماعات مسلحة" لوصف حادث الواحات والهجمات الإرهابية على المسيحيين. وتوسعت الميديا الغربية في تنميط ومسرحة الأحداث في مصر من خلال وصف الإخوان المسلمين بأنهم جماعة سياسية تؤمن بالديموقراطية في مواجهة انقلاب عسكري، مع تجاهل التفاعلات السياسية بعد 30 حزيران (يونيو) والتي أدت إلى كتابة دستور جديد وانتخاب رئيس وبرلمان.

ثانياً: تجهيل المصدر في كثير من القصص والتقارير الإخبارية بحجة عدم الكشف عن مصادر الأخبار، والاستعانة بمصادر متحيزة، وعدم اللجوء إلى المصادر الرسمية لتحقيق التوازن ونشر وجهة النظر الأخرى للأحداث، لكنّ كثيراً من المراسلين الأجانب يقولون إن المسؤولين الحكوميين يرفضون التعاون أو يماطلون لكسب الوقت وتأخير التغطية الصحافية، كما أن بعض المسؤولين لا يقدمون روايات مقنعة يمكن الاعتماد عليها.

ثالثاً: الانطلاق من تحيزات ثقافية أو سياسية مسبقة في رؤية وتغطية الأحداث في مصر والعالم العربي، ويمكن التمييز بين نوعين رئيسين منها، الأول يرتبط بالأحكام الاستشراقية عن الشعوب العربية وثقافتها وميلها إلى العنف؛ إلى آخر تلك الأحكام التي لا تخلو من عنصرية وتنميط، وتظهر في شكل مباشر أو غير مباشر في ما تنشره أو تبثه وسائل إعلامية أوروبية وأميركية. أما النوع الثاني فتعكسه ثقافة ومواقف غالبية العاملين في الميديا الغربية والتي تميل إلى رفض أي دور للجيش في السياسة وبالتالي فإن تدخل الجيش مدعوماً من الشعب في30 حزيران (يونيو) 2013 يعتبر من وجهة نظرهم انقلاباً، بينما الدور نفسه الذي لعبه الجيش ضد مبارك في كانون الثاني (يناير) 2011 يعتبر ثورة، ما يعني غلبة الطابع الأيديولوجي في النظر إلى أحداث مصر والمنطقة العربية الغربية. كذلك فإن غالبية الميديا الغربية لا تنظر في شكل إيجابي إلى أي رئيس يأتي من خلفية عسكرية كالرئيس السيسي.

رابعاً: تشويه الحقائق من خلال التعميم المخل أو الاجتزاء أو التأطير ثم إعادة السرد بما يدعم التحيزات الثقافية والأيديولوجية السابقة، فالعمليات الإرهابية المحصورة في أجزاء محدودة من شمال سيناء تصور وكأنها تنتشر في كل مناطق مصر، وبعض حوادث السير والقطارات تقدم في إطار من التعميم الذي يدعي أن مصر بلد غير آمن ولا ينصح بالسفر إليه للسياحة أو الاستثمار.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نفسر هذه التحيزات والتي تنتهك القواعد المهنية المتعارف عليها في العمل الإعلامي عند تغطية أخبار مصر أو العالم العربي، بينما يتم الالتزام إلى حد كبير بالقواعد المهنية في تغطية الميديا الغربية للأحداث المحلية التي تقع داخل بلادها؟ هناك إجابات كثيرة قد تساعد في فهم وتفسير هذه الازدواجية التي تمارسها غالبية الميديا الغربية، لعل أهمها ما خلُص إليه معظم الدراسات والبحوث في شأن قلة اهتمام الرأي العام الغربي بالأحداث الخارجية بخاصة أخبار الشرق الأوسط التي تبدو بالنسبة إليه معقدة وغير قابلة للفهم، وبالتالي فإن آليات الرقابة المجتمعية لا تهتم بمتابعة وتقييم مدى الالتزام بالمعايير المهنية في التغطيات الإعلامية للعالم الخارجي. من جانب آخر فإن الميديا الغربية - بغض النظر عن نمط الملكية وهيكلها - تعمل على إقامة علاقات ودية "تبادل مصالح" مع النخبة السياسية الحاكمة في بلادها، ومن ثم تتبنى وجهات نظر ومواقف السياسة الخارجية لهذه النخب وتدعمها تحت مبررات مختلفة أشهرها حماية المصالح الوطنية أو محاربة الإرهاب أو نشر الديموقراطية.

وربما أضيف زاوية أخرى في تفسير تحيز الميديا الغربية في تغطية أحداث مصر والمنطقة العربية تتعلق بعدم قدرتنا على تقديم الحقائق ونشر قصص النجاح ومتابعة أداء تلك الميديا والضغط عليها لتصحيح ما قد تقع فيه من أخطاء وتحيزات. وهنا لا بد من التوقف عن الادعاء بوجود مؤامرة خارجية، ما قد يريح الذات ويلقي بالمسؤولية كالعادة على قوة خارجية خارقة لا طاقة لنا بمواجهتها. وقناعتي أن الإقرار بوجود مؤامرة يعني ضرورة التحرك لفضحها وإفشالها. في هذا السياق لا يكفي اتهام بعض الميديا الغربية بالخضوع للإخوان وللمال القطري، وإنما يجب التصدي له، والاعتراف أيضاً بأن عناصر الإخوان نجحت في نسج علاقات مع البعض وأقنعتهم بالسردية الإخوانية للأحداث بينما كان الأداء الإعلامي للحكومات المصرية المتعاقبة متواضعاً وغير احترافي سواء في إدارة العلاقات مع الصحافيين الأجانب أو في إدارة كثير من الملفات والأزمات.

لذلك أتصور أهمية إجراء مراجعة شاملة للأداء الإعلامي الخارجي للحكومة المصرية بما يتضمن دعم مكاتب هيئة الاستعلامات في الخارج وتنشيط دور سفارات مصر حول العالم، إضافة إلى تكليف وكالات وشركات علاقات عامة وإعلام بلعب أدوار أكثر نشاطاً لتقديم صورة حقيقية ومتوازنة لما يجري في مصر. ولا شك في أن دعوة وتشجيع ممثلي الميديا الغربية على زيارة مصر والسماح لهم بمرافقة هيئات ومنظمات دولية لحقوق الإنسان بزيارة السجون ومقابلة المتهمين في قضايا سياسية سيساعد مصر كثيراً في معركة كسب العقول والقلوب. في هذا الإطار؛ من المهم تدريب وتشجيع المسؤولين المصريين خصوصاً في المستويات الوسيطة بالتعامل الإيجابي مع ممثلي الميديا الغربية وتقديم معلومات سريعة ودقيقية، لأن غياب المعلومات يسمح بظهور تغطيات متحيزة كما يسمح بظهور الشائعات.