صورة مركبة للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ والرئيس الصيني شي جين بينغ (أرشيف)
صورة مركبة للزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ والرئيس الصيني شي جين بينغ (أرشيف)
الأربعاء 21 مارس 2018 / 20:19

الصين الماوية

اتخذت الصين خطوةً صريحةً، خشنةً، في طريق إهانة الديمقراطية الغربية، والأمريكية على حد سواء، فقد أفسح البرلمان الصيني أمام الرئيس شي جين بينغ، المجال للبقاء مدى الحياة في السلطة، وذلك بإلغاء الحد الأقصى للفترات الرئاسية، ومنح الرئيس الصيني شي جين بينغ سلطة مطلقة.

قناع البرلمان كان إرضاءً لغرور الغرب وأمريكا، والآن يثأر الحزب الشيوعي لمعنويات ماو تسي تونغ

لماذا الآن؟ ربما أدركتْ الصين أن قناع الانتماء، شبه الكاذب، إلى العالم الرأسمالي، والاقتصاد الحر، والحريات العامة، لم يعد ضرورياً، في ظل ارتباك أمريكا، وضعف الغرب.

الحقيقة أن العالَم الديمقراطي الغربي، لم يُصدق إلى النهاية، أن الصين استغنت بشكل حقيقي، عن النواة المركزية للحزب الشيوعي، طوال العقود الثلاثة الماضية، لكنه، على الأقل، اعتبر الغطاء الرأسمالي الذي أبرزته الصين، كطالب نابغة، يتعلم سريعاً، وقد يفوق أساتذته، نصراً مؤقتاً لهيبة الديمقراطية التوتاليتارية.

كان هناك أمل لإمبراطورية الفوضى الخلاقة، الفيس بوك، لوضع قدمٍ، في المستقبل، داخل بطن التنين الصيني، والآن ابتعد هذا الأمل كثيراً.

حظي التعديل الدستوري بتأييد مطلق في البرلمان، بموافقة 2958 نائباً، مقابل معارضة نائبين، وامتناع 3 عن التصويت، أي أن الإخراج النهائي، لإعلان عودة القبضة الحديدية، لم تهتم الصين فيه حتى، بمُدَاهَنة الغرب، ورفع نسبة المعارضة قليلاً.

وبحسب العودة الماوية الجديدة، سيبقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، البالغ من العمر 64 سنة، في السلطة لعام 2023، ويستطيع مد فترة الحكم لعام 2028، وسيكون عندها في عمر 74 سنة.

وهذا يعني أن الأمين العام للحزب الشيوعي، سيكون دائماً هو الرئيس القادم للصين، مثلما كان شي جين بينغ أميناً عاماً للحزب الشيوعي قبل توليه السلطة في 2012.

كان متوقعاً أن يمر التعديل الدستوري بسهولة، فلم يحدث أن صوَّت يوماً البرلمان الصيني، الشكلي، ضد تعديل أو نص يطرحه الحزب الشيوعي، وهذا يؤكد أن قناع البرلمان كان إرضاءً لغرور الغرب وأمريكا، والآن يثأر الحزب الشيوعي لمعنويات ماو تسي تونغ.

هل تستطيع أمريكا فرض عقوبات اقتصادية فعالة على ثاني أقوى اقتصاد في العالَم؟ الصين ليست كوريا الشمالية، بل ليست روسيا، واندفاع ترامب في زيادة التعريفة الجمركية على الصلب والألومنيوم، الصادر من الصين إلى الولايات المتحدة، ستقابله الصين بزيادة التعريفة الجمركية على صادرات الولايات المتحدة إلى الصين، من فول صويا وذرة رفيعة.

الصين أيضاً أكبر حامل أجنبي لسندات الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تقرر خفض مشترياتها. المشكلة في تلويح ترامب بحرب التعريفة الجمركية، أن الحرب قد تطال حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، فاليابان مثلاً تشعر بالحيرة، إذ ستخضع للتعريفة الجمركية على صادراتها من الصلب إلى الولايات المتحدة، بينما سارعت المستشارة أنجيلا ميركل في اتصال تليفوني مع الرئيس أو الزعيم الصيني شي جين بينغ، أكدا فيه ضرورة مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، المُمثلة في صورة دونالد ترامب، فيما يتعلق بزيادة التعريفة الجمركية على الصلب والألومنيوم، ووافقت المستشارة الألمانية الجريحة في ولاياتها الرابعة، وبحكومتها المنقسمة غير المبشرة بقرارات قوية، على تعميق العلاقات مع الزعيم الصيني شي جين بينغ، ونسيان الخلاف الأيديولوجي بين بلديهما.

ومن ناحيته لوح الاتحاد الأوروبي بتدابير مضادة تستهدف 3,5 مليارات دولار من التجارة مع الولايات المتحدة، إذ قالت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني: سندافع عن مصالحنا إذا لزم الأمر، والحمائية ليست فكرة جيدة للاقتصاد الأمريكي.

خلاصة الحديث، أن مواجهة الصين بعقوبات اقتصادية فعالة، تعني ضرب اقتصاد السوق في قلب الاقتصاد العالمي، ولن يجدي نفعاً تكرار القول إن ترامب وحده هو المسؤول، وأن الولايات المتحدة ما كان لها أن تخوض حرباً تجارية دون تمييز بين حليف وعدو، فالتاريخ يُسجل تدهور الأمم، بعلامات وصول نوعية دونالد ترامب، إلى رأس السلطة.

يبدو أن الزعيم الصيني شي جين بينغ، وجد الوقت مناسباً، لاستفزاز الديموقراطية التوتاليتارية، وكأنه أدرك بحدس سياسي، أن ترامب سيضرب ضرباً عنترياً، تلويشياً، في مكان آخر. بعنجهية الدولة الأعظم، والقطب الأوحد، قال دونالد ترامب إن فروض التعريفة الجمركية ستكون في غاية المرونة، أي أن دولاً ستعامل بها، وأخرى ستنال نعمة العفو منها، ولما كانت المرونة ليست لها حدود، كما يقول ترامب، فقد تنال دولة فجأةً نعمة العفو من حرب التعريفة الجمركية، ليلاً، وصباحاً نفس الدولة، تجد نفسها في أتون حرب التعريفة الجمركية.

ناقشتْ السي إن إن، خطاباً موجهاً، من 45 مجموعة تجارية صناعية، للرئيس دونالد ترامب، يشرحون فيه، سلسلة ردود الأفعال السلبية على الاقتصاد الأمريكي.

إن فرض تعريفات جمركية على الصين، سيدفعها إلى الانتقام، ويجب على إدارة ترامب عدم الاستجابة لسياسات الصين غير العادلة، بفرض تعريفات جمركية. المثير في الخطاب، أن المجموعة التجارية الصناعية، تعترف بسياسات الصين غير العادلة التي أغرقت الولايات المتحدة ببضائع رخيصة الثمن، لكنها تخشى من الانتقام الصيني، أو تخشى من انهيار الاقتصاد العالمي.

والسؤال كيف سيصمد الداخل الأمريكي، أمام الكوارث الترامبية، هل تجاوزت أمريكا، الوقت المناسب، الذي تخلصت فيه سابقاً، من الرئيس جون كينيدي؟