الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أرشيف)
الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (أرشيف)
الأربعاء 21 مارس 2018 / 20:26

صفقة القذافي وساركوزي تضرب مجدداً

خمسة ملايين يورو سُلمت بحقائب اليد إلى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. حدث ذلك، حسب الرواية في 2007. المُرسل: حاكم ليبيا يومها العقيد معمّر القذافي، الهدف: مساعدة ساركوزي في حملته الانتخابيّة الرئاسية في ذلك العام والتي فاز بها.

افتتح سياسيّون كنيكولا ساركوزي وقبله رئيس الحكومة الإيطاليّ السابق سيلفيو بيرلسكوني طوراً من انحطاط السياسة. هذا الطور تجلّى في أشكال وصيغ عدّة: دخول المال، وبالتالي الفساد، على العمليّة الديمقراطيّة من أعرض أبوابها

الخبر، الذي استدعى توقيف ساركوزي وتحقيق الشرطة معه، يُرجح أن يكون صحيحاً. في الحد الأدنى، التاريخ القريب يشجّع على التصديق. فالقذافي معروف بأنه كان "يدفع" بسخاء لأغراض من هذا النوع، أما ساركوزي فصاحب سابقة لا تبعث على الاطمئنان: لقد أُوقف في 2014 بتهمة "إساءة استخدام التمويل" في معركة رئاسيّة. هذا، على الأقل، ما عُرف وشاع وتناقلته الأخبار. قد يكون هناك ما هو أعظم ممّا لم يُعرف بعد.

هذا ما يحصل، للمرة الأولى، لرئيس فرنسي سابق.

الخبر المذكور إشارة طيبة لليبيين وللفرنسيين في آن معاً، أو أن هذا ما يُفترض أن يكون.

أوّلاً، لليبيين: هو تذكير بنظامهم السابق الذي أسقطته ثورتهم، وبكيفيّة تبديده لثروتهم الوطنيّة الكبرى. فمعمر القذافي، كما هو معروف جيداً، سبق أن أنفق بلايين الدولارات على قضايا وأنظمة وحركات من غير أن يعود إنفاق أي منها بالنفع على بلده وشعبه. أما مزاجه الشخصي، على ما فيه من غرابة مشهورة، فكان العنصر الوحيد الذي يقرر سياسة الإنفاق الكارثية هذه. ما يقرره القذافي هو وحده سيادة الدولة واقتصادها.

على أن الأمر لا يتعلق بالمعرفة فحسب، إذ يصعب فصل هذا النهب المديد لليبيا عن النتائج التي آلت إليها الأحوال البائسة لاحقاً. ذاك أنّ الأموال الليبيّة التي أُنفقت في فرنسا وإيطاليا، أو في لبنان وتشاد وإيرلندا الشمالية وسواها من بلدان المعمورة، هي التي كان يمكن استثمارها لصالح توطيد الوطنية الليبية وتضييق التفاوت الموروث في ما بين مناطق البلد وجماعاته الكثيرة.

القذافي، في المقابل، لم يفعل هذا. مفهومه لوحدة الليبيين مفاده أن قمعهم، قمع تنوعهم وقمع تعبيرهم ومنعهم من السياسة، هو الذي يفرض عليهم وحدة شكلية وظاهرية تنمو تحتها التناقضات وتحتقن.

هكذا، ما إن أُسقط نظام الاستبداد والعشوائية الذي دام أكثر من أربعين عاماً، حتى انفجرت تلك التناقضات الخام التي لم يعمل ذاك النظام إلا على توسيعها.

أمّا للفرنسيين، ثانياً، فيقول الخبر إن احتمالات التصحيح لا تزال قائمة، وربما قوية أيضاً، لا في فرنسا فحسب بل في عموم البلدان الغربية.

لقد افتتح سياسيون كنيكولا ساركوزي وقبله رئيس الحكومة الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني طوراً من انحطاط السياسة.

هذا الطور تجلى في أشكال وصيغ عدة: دخول المال، وبالتالي الفساد، على العملية الديمقراطية من أعرض أبوابها. شيوع المشهدية التلفزيونية والاستعراضية بدل عرض البرامج. تراجع نسب الإقبال على التصويت. ضمور الانتساب إلى الأحزاب الديمقراطية والبرلمانية. انتفاخ الهوامش الحزبية في أقصى اليمين وأقصى اليسار.

وهكذا ما إن انفجرت الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في 2008، والتي لا تزال في بعض البلدان تتداعى فصولاً، حتى باشرت الأحزاب والقوى الشعبوية بالصعود في غير بلد، وسط نفور متعاظم من "المؤسسة" السياسية التقليدية ومن برلمانها ومؤسساتها.

توقيف ساركوزي ومحاكمته ربما، فقط ربما، شقا الطريق إلى مراجعة هذا النهج الأخرق في البلدان الديمقراطية.

وربما، فقط ربما، حملا الليبيين على مراجعة تاريخهم الحديث بصرامة أكبر، والتعلم منه لصالح وقف النزيف الدموي والتفسخ الضارب.