شعارا فيلق الرحمن وجيش الإسلام.(أرشيف)
شعارا فيلق الرحمن وجيش الإسلام.(أرشيف)
الثلاثاء 27 مارس 2018 / 20:12

باعوا الشعب السوري دون أن يشتريه النظام

ضياع الغوطة الشرقية لن يكون نهاية الحرب في سوريا، على الأقل كونها تؤشر إلى نصر روسيا وحلفائها على أمريكا وحلفائها. فأمريكا لن ترضى بهزيمة كاملة في سوريا، بينما قد ترضى روسيا بأقل من السيطرة على كامل سوريا

يناقض محتوى التناكف الدائر بين "جيش الإسلام"، و"فيلق الرحمن"، ما يدل عليه المثل المتداول "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب". لأن السبع السورية العجاف كشفت المستور، وأظهرت ما كنا غافلين عنه، فالفسيفساء السورية أفرزت تحت الحكم الاستبدادي أفراداً وليس مجتمعاً، أو مجتمعات، بل أفراداً بقيم ما قبل عشائرية لم يستطيعوا حتى تمثل أعراف العشيرة حين يداهمها "خطر خارجي" من قبيلة أخرى، أو حين تدب الخلافات داخل العشيرة.

لكن الخلافات في العشيرة السورية تعدت الخلاف بين أخوين، أو بين الأخ وابن عمه، عندما دخل الغريب بينهما وأصبح الحكم.

فسيرة العداء والاقتتال بين "الفيلق" و"الجيش" استمرت حتى والغريب يعلق مشنقة الاثنين معاً، وخابت توقعاتنا حول أي توحد أو تنسيق بين أكبر فصيلين متحكمين في الغوطة الشرقية المحاصرة منذ ست سنوات، فاتفق "الفيلق" مع الروس على تسليم القطاع الأوسط وتهجير سكانه المدنيين والعسكريين، بينما يجري الحديث عن مفاوضات بين "الجيش" والروس لتسليم الغوطة إلى النظام وخروج العسكريين في اتجاه إدلب، التي أصبحت غابة مزروعة ببنادق الأخوة الأعداء.

وعلى الرغم من أن هذا السجال ليس مفاجئاً تماماً للسوريين، لأنه ليس سابقة، فإن مضمونه هذه المرة بين الناطق الرسمي باسم "فيلق الرحمن" من إسطنبول، وائل علوان، ورئيس المكتب السياسي لـ"جيش الإسلام" محمد علوش، تعدى كل درجات المسؤولية. فمن عادة العشائر في مثل هذه الحالة أن يضبط حكماؤها التناقضات في حال دخل الغريب بينها، وتأجيل الخلافات البينية إلى وقت يتراجع فيه الخطر الوجودي الخارجي عليها.

ومن المؤسف استحالة النظر إلى هذه الحادثة إلا في هذا الإطار، مع تهافت الطرفين على إلقاء اللوم على الطرف الآخر، دون اعتبار لكون السفينة التي تحملهما معاً تغرق منذ سنوات. وهذا الكلام تخفيفي كي لا نتحدث عن الطرفين بوصفهما يتعاملان بمنطق قطاع الطرق الذين لا تحكمهم أعراف، أو تقاليد، أو قانون.

والسفينة الغارقة ليست الغوطة فقط، ففي الجنوب لا تزال فصائل درعا ملتزمة بتعليمات غرفة "موك"، ولا قتال هناك إلا إذا هاجم جيش النظام الأسدي المنطقة، بينما يرتاح "جيش خالد بن الوليد" الداعشي نفسه هناك، دون أن يسقط شرط "موك" بحصر استخدام فصائل الجنوب سلاحها ضد داعش فقط.

كما أن حدود السفينة لا تقتصر على الغوطة، بل تصل إلى الشمال، حيث تتمدد تركيا هناك، وتطارد الخطر الكردي جنوب حدودها مرتاحة إلى صفقتها مع روسيا، وتفاهمها مع أمريكا.

وعدا داعش والنصرة، كعدوين مرغوبين من جميع الأفرقاء، وكون غيابهما يشكل إرباكاً لـ"أصدقاء الشعب السوري"، نلاحظ أن قرار الفصائل المعارضة جميعها خرج من يدها العارية. وبعد أن كان في يدها السلاح والمال لتقول كلمة ما، أصبحت عزلاء، على خطى المستوى السياسي الذي ارتهن قراره مبكراً لقطر في فترة ما، ثم لتركيا، والسعودية، ومجموعة هائلة من "الأصدقاء" الذين فعلوا ما عجز عنه الأعداء في بيئة خصبة من الفساد، وافتقاد الخبرة، حتى لا نقول من "العمالة" ضد أهداف الثورة السورية التي اتضح أنها كانت مجرد انتفاضة تمكن أعداؤها من احتواء زخمها الأول، قبل أن يوجهوها لتحقيق مصالحهم التي لم تلتق في النهاية مع مصالح بسطاء السوريين الذين أشعلوها وكانوا وقودها.

وعلى الرغم من كل تلك السنوات المُرَّة على السوريين، لم يستوعب المستوى السياسي والعسكري المتصدر لتمثيل الثورة أن قيم القبيلة تتناقض مع قيم تحقيق الحرية والكرامة والعدالة، حين وضعوا ثقتهم في "ائتلاف قطر واسطنبول"، ثم "هيئات الرياض للتفاوض"، بل وفي غرفة "موك"، على الرغم من يقينهم بوجود من يمثل إسرائيل في الغرفة، ما يدل على أن هذه النتيجة كانت حتمية، وأن كل حالات التفجع على ضياع الفردوس السوري كانت وقوفاً على الأطلال، هذا لمن أراد تنحية رغائبه، وقراءة الواقع كما هو، وكما كانت تؤشر مقدماته.

لكن ضياع الغوطة الشرقية لن يكون نهاية الحرب في سوريا، على الأقل كونها تؤشر إلى نصر روسيا وحلفائها على أمريكا وحلفائها. فأمريكا لن ترضى بهزيمة كاملة في سوريا، بينما قد ترضى روسيا بأقل من السيطرة على كامل سوريا. وهذا ينفي وجود رغبة دولية في تقسيم سوريا، مثلما يقلل من احتمال قيام حرب صريحة بين الدولتين.

هنا، يلمح محللون إلى أن التغييرات الأخيرة في الإدارة الأمريكية لن يكون هدفها فقط الملف النووي الإيراني، بل الوجود الإيراني في المنطقة، وفي سوريا خاصة، الأمر الذي يفتح احتمال قيام حرب باردة، أو ساخنة، في اتجاه إيران، تخفف من احتمالات التصادم بين أمريكا وروسيا. وهذا ما قد يفضي إلى حل سياسي يفرضه الكبيران على النظام الأسدي قبل المعارضة، ليقتسما بعد ذلك النفوذ، وأموال إعادة الإعمار، والنفط والغاز الموعودين، لتتم بذلك هزيمة النظام والمعارضة والسوريين المعارضين والموالين، وتكتمل ملامح "المؤامرة الكونية" على الشعب السوري.