الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.(أرشيف)
الأربعاء 28 مارس 2018 / 20:12

عمليّة سكريبال وأحوال التحالف الأطلسيّ

بدا أنّ الغضب الغربيّ المتجمّع والمحتقن منذ احتلال موسكو شبه جزيرة القرم وضمّها في 2014، بدأ يتفجّر. وأغلب الظنّ أنّ التدخّل في سوريّا أضاف جرعة أخرى إلى الغضب

حين اندلع النزاع البريطانيّ – الروسيّ الذي أطلقته محاولة اغتيال الجاسوس المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في ساليزبوري بجنوب إنكلترا، بدا أنّ بريطانيا ستكون وحيدة في هذه المواجهة.

فالولايات المتّحدة الأمريكيّة في ظلّ دونالد ترامب ستكون عازفة عن إنجاد بريطانيا، لأسباب ثلاثة على الأقلّ: سياسة الانكفاء والعزوف الدوليّين للإدارة الأمريكيّة الجديدة، والعلاقات الغامضة (والتي تلاحقها أعمال المحقّقين) بين ترامب والرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، والكيمياء المفقودة بين سيّد البيت الأبيض وسيّدة 10 داوننغ ستريت، تيريزا ماي.

من جهة أخرى، فإنّ العلاقات البريطانيّة – الأوروبيّة ليست أيضاً على ما يرام، بسبب استفتاء بريكسيت البريطانيّ، كما بسبب التشنّج بين الطرفين الذي يرافق التفاوض حول تنفيذ الانفصال وأكلافه.

هكذا بدأت أوساط سياسيّة وإعلاميّة كثيرة في الغرب تتحدّث عن حرب باردة ثانية لا يتوافر فيها أهمّ الشروط التي اتّسمت بها الحرب الباردة الأولى، التي امتدّت ما بين أوائل الخمسينات وأواخر الثمانينات، أي: وحدة المعسكر الغربيّ وتضامنه في مواجهة موسكو. ذاك أنّ الحرب الباردة الأولى ستبقى لغزاً غير مفهوم إن لم يؤخذ في الحسبان التنسيق البعيد الأمريكيّ – الأوروبيّ الغربيّ، ولا سيّما الأمريكيّ – البريطانيّ. فهي أصلاً اندلعت انطلاقاً من أوروبا، وتحديداً من برلين، ولم ينفصل خوضها عن تأسيس حلف شمال الأطلسيّ، أو الناتو، الذي بات هو "الحلف الغربيّ"، وهذا فضلاً عن المعنى الإيديولوجيّ الذي اكتسبته تلك الحرب بوصفها مواجهة بين نظام الديمقراطيّة البرلمانيّة، الأمريكيّة – الأوروبيّة الغربيّة، والنظام التوتاليتاريّ السوفياتيّ.

بيد أنّ هذه التقديرات ما لبث أن تبيّن أنّها تنطوي على تسرّع: فحتّى كتابة هذه الأسطر بلغ عدد الدول التي هبّت لإنجاد بريطانيا وطردت ديبلوماسيّين روساً، 27 دولة، فيما بلغ عدد المطرودين 144 ديبلوماسيّاً.

شيء كهذا لم يحصل في الحرب الباردة الأولى، بل لم يحصل في التاريخ. ذاك أنّ الرقم الأكبر في طرد الديبلوماسيّين الروس كان قد سجّله الرئيس الأمريكيّ رونالد ريغان في 1986 حين طرد 80 منهم.

لقد بدا أنّ الغضب الغربيّ المتجمّع والمحتقن منذ احتلال موسكو شبه جزيرة القرم وضمّها في 2014، بدأ يتفجّر. وأغلب الظنّ أنّ التدخّل في سوريّا أضاف جرعة أخرى إلى الغضب. والحال أنّ هذا الانتصار الديبلوماسيّ الكبير لبريطانيا ولرئيسة حكومتها تيريزا ماي يمكن وصفه بأنّه انتصار كامل: رئيس المجلس الأوروبيّ دونالد تاسك قال إنّ الاتّحاد الأوروبيّ قد يلجأ إلى "إجراءات جديدة" ضدّ موسكو. حلف شمال الأطلسيّ (الناتو) ضمّ صوته بأن طرد، هو الآخر، سبعة ديبلوماسيّين روس. حتّى البلدان الغربيّة التي لم تمارس الطرد (النمسا واليونان والبرتغال) أكّدت على تضامنها مع بريطانيا.

المفاجأة الكبرى جاءت من الولايات المتّحدة: ترامب الذي هنّأ بوتين، قبل أيّام قليلة، بتجديد انتخابه للرئاسة، لم تكتف إدارته بطرد 60 ديبلوماسيّاً روسيّاً في واشنطن ونيويورك، بل أغلقت القنصليّة الروسيّة العامّة في مدينة سياتل.

بعض التحليلات يذهب إلى أنّ الثنائيّ الجديد في الإدارة الأمريكيّة، أي مايك بوبيو في وزارة الخارجيّة وجون بولتون في مستشاريّة الأمن القوميّ، يفسّر هذا الموقف المتشدّد الذي لم يتصدَّ له ترامب. ربّما! لكنّ أمرين اثنين لا يرقى إليهما الشكّ: أوّلهما أنّ فلاديمير بوتين ارتكب خطأ كبيراً، وكبيراً جدّاً، حين حاول قتل الجاسوس السابق وحامل الجنسيّة البريطانيّة، مُستخفّاً كلّيّاً بفكرة التضامن الأطلسيّ. أمّا الثاني، فأنّ هذا التضامن لا يزال قوّيّاً، على رغم الضعف الذي أنزلته به السنوات القليلة الماضية. بالطبع، هناك في واشنطن ولندن من يضيفون أمراً ثالثاً: إنّ بوتين لا يفهم إلاّ لغة القوّة. ربّما كانوا على حقّ.