سيارات خليجية فخمة في لندن.(أرشيف)
سيارات خليجية فخمة في لندن.(أرشيف)
الجمعة 30 مارس 2018 / 20:01

يا مستفز!

تخيّلوا أن يصبح "الاستفزاز" هو المعيار فعلاً لتبرير جرائم الكراهية. إذاً سيقول قائل إن نظير كل "ثري مدلل مرفه فارغ مزعج غير منضبط" من سيّاحنا الذين يستفزون "الغربي المجتهد الكادح"، هناك سائحة "كاسية عارية مفتقرة إلى الأدب والحشمة" من سياحهم ممن يستفزون "العربي المحافظ المتدين"

لم أتصوّر يوما أن صف السيارات الفارهة ذات لوحات الأرقام الخليجية التي تشغل الرصيف المحاذي لمحلات "هارودز" الشهيرة ستكون بحاجة إلى دفاعي وتعاطفي، ولكن الشارع الخليجي شُغل مؤخراً بحادثة الاعتداء بالتشويه على "قافلة" سياراته المعتادة على القيام برحلة الشحن كل شتاء وصيف.

وعلى الرغم من أنه قد تبيّن لاحقاً أن المعتدي بعلبة طلائه اللعينة لم يكن إلا عربياً يشاركنا العرق والدم واللغة -وفي هذه الحالة، الجنون أيضاً-، فلا يعنيني كثيراً ما يفعله السفهاء منا، حتى المهاجرين مثله ممن يفترض بهم استقبالنا بذراعين مفتوحتين، وابتسامة دافئة.

ولكن لقد كانت ردة فعل العربان في هذا الجزء من العالم هي التي تسببت باستيائي.

فلقد انتقدوا قيام أبناء جلدتهم بشحن سياراتهم الفارهة -طبعاً- إلى المدن الأوروبية، مرفقة بلوحات أرقامها الخليجية -طبعاً-، ليلصقوا بهم تهمة التفاخر والتباهي.

أجد نفسي أتفق مع المنتقدين لهذه المظاهر الدالة على البذخ حين يتذرّعون بأنها إنما تُسيّل لعاب اللصوص والعصابات، وذلك مما قد يجرّ على السائح أهوالاً أصعب من السرقة، كالتعرّض للاعتداء. وأنا في هذه المسألة أتبّع عموماً مبدأ مصطفى الرافعي في تجريم كشف اللحم للهر.

أما من أشاروا إلى أنّ خطر هذه المظاهر يكمن في استفزاز مشاعر المعاتيه والمتطرفين والعنصريين، فوالله أن جلدهم لذواتهم بات أشد إيلاماً من التشويه الذي لحق بـ"مرسيديساتنا" و "مايباخاتنا".

شخصياً، لن أتقبّل مطلقاً تلك الصورة النمطية عن السائح الخليجي الذي يعبر البحار والقارات لينتهي به المطاف بين كركه وشيشته، ولا يعرف من العاصمة البريطانية سوى "ادجوير رود"، ولا يخرج إلا وقد سلخ جلده، واستبدله بشعار "فيندي" من الرأس إلى أخمص "النعال". لن أبالغ إذا زعمت بأنه يمارس ذات الأنشطة، ويلتقط ذات الصور، ويزعجنا بذات الأغاني العراقية الصاخبة، وكأنما يتبع سيناريو معداً بدقة.

لن أذود عن هذا السائح أمام أي هجوم محتمل هنا، فهو مستفز فعلاً، بروتينه ومشاكساته واستعراضه، وتغاضيه عن مكامن التاريخ والفن والجمال. إنه مستفز بالقدر الذي يرغمني على هز رأسي والزفير ضيقاً، وتفاديه في رحلاتي للغرب عملاً بالقاعدة غير المكتوبة في دستور السياحة الخليجي.

أما أنّ نلمّح إلى أنّ هذا السائح قد تسبب بشكل غير مباشر في رّش كلمة "حرب" بعلبة الطلاء الأسود على سيارته من قلب يضاهي ذلك الطلاء في سواده، فهو مما لا يقبله العقل.

تخيّلوا أن يصبح "الاستفزاز" هو المعيار فعلاً لتبرير جرائم الكراهية. إذاً سيقول قائل إن نظير كل "ثري مدلل مرفه فارغ مزعج غير منضبط" من سيّاحنا الذين يستفزون "الغربي المجتهد الكادح"، هناك سائحة "كاسية عارية مفتقرة إلى الأدب والحشمة" من سياحهم ممن يستفزون "العربي المحافظ المتدين".

فمن منكم سيتفهّم حينها رشي لكلمة "عيب" بالطلاء الأسود على كل شبر ظاهر من بدنها، وسيلومها على استفزازها لكراهيتي؟