جانب من مسيرة العودة (أرشيف)
جانب من مسيرة العودة (أرشيف)
الأحد 1 أبريل 2018 / 20:16

على هامش ما وقع في يوم الأرض..!

ليوم الأرض مكانة خاصة في الذاكرة الوطنية للفلسطينيين. وما وقع يوم الجمعة الماضي، على الحد الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، يضيف ثقلاً رمزياً وسياسياً، إلى مناسبة وطنية يحرصون على تجديد وإحياء ذكراها منذ اثنين وأربعين عاماً.

استمرار هذا النوع من التظاهرات، وأعمال الاحتجاج السلمية، يمثل كابوساً بالنسبة للإسرائيليين بالمعنى السياسي والأخلاقي، وقد يدفعهم إلى شن حملة عسكرية على قطاع غزة

تفاصيل ما وقع منذ يومين، هناك، معروفة: قتل الإسرائيليون 16 من المتظاهرين، وجرحوا مئات غيرهم. ومن المُستبعد أن يكف المتظاهرون، الذين قدّرت أعدادهم بعشرات الآلاف، عن التظاهر في وقت قريب.

فهناك لجان خاصة لحشد المتظاهرين، وتنظيم المسيرات، والفعاليات الاحتجاجية، على الحد الفاصل، ويُراد لها أن تصل الذروة في الخامس عشر من مايو (أيار) القادم، ذكرى إنشاء الدولة الإسرائيلية، والنكبة الفلسطينية.

والواقع أن هذا التصعيد غير المسبوق منذ سنوات، بهذا القدر من الحدة، يجد تفسيره في حقيقة التردي المخيف للأوضاع المعيشية في غزة من ناحية، ومخاوف وشكوك جدية تنتاب الفلسطينيين إزاء ما يوصف "بصفقة القرن" من ناحية ثانية. وفي سياق كهذا تتجلى رهانات كثيرة.

فحماس، التي حولت قطاع غزة إلى رهينة منذ استيلائها عليه قبل 12 عاماً، تجد في التصعيد، وبهذه الطريقة، مخرجاً من أزمة خانقة بالمعنى الاقتصادي والسياسي، وحتى الأخلاقي، والسلطة الفلسطينية، التي اصطدمت بالإدارة الأمريكية، خاصة بعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، تراهن على الروح الكفاحية للشعب كمصدر للقوّة في مجابهة طويلة تعرف أنها تنطوي على مخاطر، وتسديد فواتير، مُكلفة.

وبهذا المعنى: فإن عودة الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صدارة الاهتمام، كما حدث في المحافل الدولية، والإقليمية، وتجلى في وسائل الإعلام، على مدار الأيام القليلة الماضية، في منطقة من العالم لا تشكو ندرة ما يستحق الاهتمام بقدر ما تعاني تخمة زائدة من الأحداث المأساوية، يُبرر ويفسّر رهانات وحسابات كثيرة.

وبقدر ما يتعلّق الأمر بإسرائيل، فإن ما حاولت التدليل عليه يوحي برؤى متضاربة بشأن كيفية الرد على هذا النوع من التصعيد. فعملية قتل المتظاهرين السلميين من جانب قنّاصة الجيش الإسرائيلي وقعت على مرأى ومسمع من العالم، ولكن الإسرائيليين ذكروا يوم أمس أن أغلب مَنْ سقطوا برصاصهم كانوا أعضاء في فصائل فلسطينية مُسلّحة، ونشروا بعض الصور كبرهان.
  
ويدل هذا، في جانب منه، على حقيقة أنهم يحاولون التنصّل من تهمة قتل المتظاهرين المدنيين. والواقع أن استمرار هذا النوع من التظاهرات، وأعمال الاحتجاج السلمية، يمثل كابوساً بالنسبة للإسرائيليين بالمعنى السياسي والأخلاقي، وقد يدفعهم إلى شن حملة عسكرية على قطاع غزة.

ولا يشكو المتابع لتصريحات الساسة والعسكريين الإسرائيليين، في الآونة الأخيرة، من ندرة الشواهد بشأن ضرورة حرب جديدة، لا تحتمل التأجيل، على غزة.

وعلى خلفية كهذه يمكن القول إن أحداث يوم الجمعة الماضي تُمثّل مُحرّضاً إضافياً إلى جملة أسباب سابقة. ومع ذلك، ينبغي التذكير أن الاهتمام الرئيس للإسرائيليين، في الوقت الحاضر، ينصب على الصراع الدائر في سورية وعليها، وعلى المجابهة مع إيران، بما في ذلك إجهاض مشروعها النووي، وتمددها في العراق وسورية ولبنان، خاصة بعد وصول صقرين إلى منصبي وزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي، في الولايات المتحدة. لذا، من السابق لأوانه التكّهن بحجم الرد العسكري الإسرائيلي على جبهة غزة. الرد أكيد، ولكن يصعب تقدير حجمه الآن.

ومع هذا كله في البال، ثمة ما يشبه النص الصامت في كلام الإسرائيليين عمّا وقع يوم الجمعة الماضي. فالغالبية العظمى من عشرات الآلاف الذين تظاهروا على الحد الفاصل مع غزة هم أحفاد اللاجئين، الذين شُردوا من بلداتهم وقراهم قبل سبعين عاماً، وهم يطالبون بالعودة، ولا يردعهم حتى الموت عن التظاهر تعبيراً عن هذا الحق.

وفي النص الصامت تساؤل وجودي مُقلق ومقيم: ماذا يحدث إذا أصيب الملايين من الأحفاد، لا عشرات الآلاف، بنوبة جنون مفاجئة، واجتازوا مشياً على الأقدام الأسلاك الشائكة، والحواجز، والحدود؟ والمشكلة ليست في واقعية تساؤل كهذا بل في وظيفته في المخيال السياسي للإسرائيليين، وما يمكن أن ينجم عنه من استيهامات كابوسية، وأزمات وجودية، شاءت أقدار عاتية أن يسدد الفلسطينيون فواتيرها الباهظة.