من مسيرة العودة (أرشيف)
من مسيرة العودة (أرشيف)
الإثنين 2 أبريل 2018 / 21:09

عن حمسنة المقاومة وفتحنة التسوية

كشفت مسيرة العودة في غزة حقائق كثيرة كان النظام الفلسطيني بشقيه الغزي والضفاوي يحاول التعتيم عليها وإنكارها، من خلال الادعاء باحتكار الفصيلين الحاكمين للمشروع الوطني.

أهم ما كشفته المشاركة الواسعة والجامعة في مسيرة العودة هو تجاوز الشارع الفلسطيني للفصائل وخطابها المحتقن وبرامجها الانتهازية الضيقة، خاصة أن الجموع المشاركة في المسيرة لم تخرج بقرار تنظيمي أو فصائلي ولم ترفع رايات الفصائل وعادت إلى الرمز الفلسطيني الأقدس وهو العلم الوطني

يوم الجمعة أعاد المشاركون في مسيرة العودة قضيتهم إلى واجهة الاهتمام العالمي بعد أن تراجعت وكادت أن تتلاشى بفعل تقدم ملفات صراعية أخرى في المنطقة ونتيجة الأداء البائس للقيادة الأوسلوية ومعارضتها الإخوانية.

وفي ساعات ما بعد ظهر تلك الجمعة الحمراء كان واضحاً أن ما يسمى "صفقة القرن" يظل مشروعاً أمريكياً إسرائيلياً لا علاقة للفلسطينيين به، لا الآن ولا بعد ألف عام.

كان واضحاً في الحراك الشعبي أيضاً أن الفلسطينيين تحرروا تماماً من الوهم، ومن الرهان على الخيارات الخائبة، ومنها مشروع "حل الدولتين" الذي يتبرع للاحتلال الغريب بثلاثة أرباع أرض أهل البلاد، وقد تجلى ذلك في الشعارات التي قدمت حق العودة على مقولة "السلام والانتعاش الاقتصادي"، ولم تكن الاختراقات المتكررة للسياج الاحتلالي إلا رسائل تحمل هذا التوجه، أو تعبر عن الصحوة الشعبية من غيبوبة المشاريع التسووية الفاشلة.

لكن أهم ما كشفته المشاركة الواسعة والجامعة في مسيرة العودة هو تجاوز الشارع الفلسطيني للفصائل وخطابها المحتقن وبرامجها الانتهازية الضيقة، خاصة أن الجموع المشاركة في المسيرة لم تخرج بقرار تنظيمي أو فصائلي ولم ترفع رايات الفصائل وعادت إلى الرمز الفلسطيني الأقدس وهو العلم الوطني.

كما أن الفصائل ذاتها اعترفت بعجزها عن قيادة الحراك الشعبي أو توجيهه، حين أعلن بعض قادتها أنهم تعرضوا لضغوط كثيرة لمنع انطلاق المسيرة.. وقاوموها، بينما حقيقة الأمر تؤكد أنه لم يكن في مقدورهم منع المسيرة أو التأثير على حجم المشاركة فيها.

لم يعد الفلسطينيون معنيين بخطاب التسوية الذي تتبناه سلطة رام الله وتفشل في ترجمته العملية، ولا بخطاب المقاومة الذي تتبناه سلطة غزة ولا تمارسه، وقد نفضوا عن عقولهم غبار التصنيف الخبيث الذي يضع حركة فتح في قيادة المشروع التسووي ويقدم حركة حماس كفصيل متفرد في المقاومة، وعبروا عن رفضهم لهذا التصنيف حين التقوا في هذا الحراك العابر للفصائل والمتجاوز لها، واختاروا أن يوجهوا رسالتهم كفلسطينيين فقط، رغم محاولات تجيير هذا الحراك والادعاء الكاذب بقيادته. ولم يكن خروج القيادات ومشاركتها في المسيرة إلا محاولة للحاق بحركة الشارع وسعياً للاحتفاظ ببعض الولاء الشعبي.

ليست فتح صاحبة المشروع التسووي، وإن كان بعض من قيادتها يحملون هذا المشروع كخيار وحيد، وهم يعرفون الآن أنه مشروع فاشل، لكنهم يحاولون إطالة أمده من أجل كسب الوقت والبقاء على قيد الحياة السياسية.

وليست حماس قائدة مشروع المقاومة الذي انطلق وتحقق قبل ظهور الحركة الإخوانية بسنوات طويلة، لكنها تستثمر خطاب المقاومة من أجل تبرير انقلابها في غزة ومن أجل البقاء كطرف فلسطيني يمكن أن يلعب دوراً في الإقليم.

أما الفصائل الأخرى فهي تدرك أنها باتت مجرد أكسسوار ضروري لتحقيق التعددية والإيحاء بديمقراطية غير موجودة بالفعل في العمل الفلسطيني المؤطر.

واقع الأمر أن الشارع الفلسطيني يتقدم على فصائله وعلى قياداتها ويسخر من خطابها على طريقته الخاصة، ويعود إلى المربع الأول في الصمود الوطني، ويستعيد روح هذا الصمود من خلال التأكيد على الحق الفلسطيني في كل فلسطين، وهو حق إنساني قبل أن يكون سياسياً، ومشروع وطني يقبل الشراكة ولا يقوم على طرد الآخر أو نبذه أو إقصائه في الدولة الواحدة.. حين تتحقق.