مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل (أرشيف)
مؤسس الصهيونية تيودور هرتزل (أرشيف)
الأربعاء 4 أبريل 2018 / 20:33

الصهيونية

يحكي رولف شتاينغر في كتابه "ألمانيا والشرق الأوسط"، حكاية الألمان مع الصهيونية. في 1898 استقل خمسة صهاينة قطار الشرق السريع، من محطة فيينا، قاصدين جهة القسطنطينية، "اسطنبول"، بعد أن غيَّر أتاتورك اسمها عام 1930. كان قائد المجموعة يبلغ من العمر 38 عاماً، وهو تيودور هرتزل.

كان تيودور هرتزل من النافخين في بالون معاداة السامية، وكان من الدريفوسيين المدافعين عن براءة النقيب الجاسوس، فرنسي الجنسية، يهودي الأصل، ألفريد دريفوس،

لقد آتت جهود هرتزل ثمارها بعد سعي استمر ثلاث سنوات، من أجل الحصول على فرصة للقاء القيصر الألماني فيلهلم الثاني خلال زيارته المزمعة للشرق.

كان تيودور هرتزل من النافخين في بالون معاداة السامية، وكان من الدريفوسيين المدافعين عن براءة النقيب الجاسوس، الفرنسي اليهودي الديانة ألفريد دريفوس، الذي أرسل ملفات سرية إلى ألمانيا 1894.

قضية دريفوس وشهرتها، اقتحمت أيضاً إحدى قلاع الأعمال الأدبية الرفيعة، وهي رواية "البحث عن الزمن المفقود"، لمارسيل بروست، اليهودي من جهة الأم.

والجدير بالذكر أن موضوع "دريفوس" في رواية "البحث عن الزمن المفقود"، من أضعف موضوعات الرواية العملاقة، سيما عند مقارنته بموضوعات تستحوذ على اهتمام الرواي، مثل الذاكرة الإرادية، واللا إرادية، والنسيان، والحب، والزمن، والغيرة، والموت، والفن. كان بالون العداء إلى السامية يرتفع في سماء أوروبا. وكانت رؤية تيودور هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية"، هي إقامة دولة مستقلة لليهود على أرض فلسطين.

قال هرتزل قبل رحلة القطار بثلاث سنوات 1895: سأذهب إلى القيصر الألماني، وهو بدوره يتفهمني. سأقول للقيصر: دعونا نهاجر. فضل هرتزل الحصول على الدعم الألماني دون غيره، لتحقيق خططه.

أراد بناء جمهورية يهودية أرستقراطية في فلسطين تتخذ من إمبراطورية بسمارك مثالاً لها. وكتب في يومياته 1898: إن الوقوف وراء ألمانيا القوية، والكبيرة، ذات الإدارة العريقة، والمنظمة بشكل صارم، لا يمكن إلا أن يكون ذا تأثير صحي في الشخصية اليهودية. بضربة واحدة سنصل، وبشكل كامل، لتحقيق الشروط الداخلية والخارجية الموائمة.

في طريقهم على متن قطار الشرق السريع، اتفقوا على المطالبة بالمنطقة الواقعة بين غزة والفرات، على أن يتمتع هذا الإقليم باستقلال ذاتي في نطاق السلطنة العثمانية. سأل القيصر الألماني فيلهلم الصهاينة الخمسة، عما يتعين قوله حرفياً للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني، فأجابه تيودور هرتزل: شركة لشراء الأراضي تحت الحماية الألمانية.

قبل عام من هذا اللقاء، اطلع القيصر الألماني على تقرير بشأن المؤتمر الصهيوني الأول، وكتب العبارات التالية على هامشه: أنا مؤيد جداً لذهاب هؤلاء اليهود إلى فلسطين، وكلما أسرعوا في الهجرة إلى هناك، كان أفضل، ولن أضع لهم عقبات في الطريق.

وكتب إلى خاله الأمير فريدريش فون بادن: أنا مقتنع بأن استيطان الأراضي المقدسة من قِبَل شعب إسرائيل النشيط وصاحب رؤوس الأموال، سيعود عليها قريباً بالازدهار والرخاء، وسيعود كذلك بانتعاش اقتصادي على تركيا. كانت برلين تأمل في الحصول على امتياز من السلطان العثماني، لبناء سكة حديد بغداد.

يتابع القيصر فيلهلم الثاني في رسالته إلى خاله: إضافةً إلى ذلك فإن طاقة وإبداع وكفاءة الساميين اليهود، ستتوجه إلى أهداف أكثر سمواً، وليس إلى مص دماء المسيحيين. يُشبه خوف القيصر الألماني فيلهلم الثاني من وجود اليهود في ألمانيا، خوفاً آخر تكرر بعد 20 عاماً، في 1917، عندما قيل إن السياسي البريطاني، آرثر جيمس بلفور، صاحب الوعد المشؤوم، كان يخاف على بريطانيا من هجرة اليهود إليها. كأن الغرب المسيحي اليميني،المحافظ، كان هاجسه الأكبر، إبعاد الدماء اليهودية عن الدماء المسيحية.

تذكر الموسوعة الفلسطينية، أنه بوصول الحزب النازي، بقيادة هتلر إلى السلطة في ألمانيا 1933، بدأ في مضايقة اليهود المعارضين للصهيونية من الذين يعتبرون ألمانيا وطنهم. رأت الصهيونية في صعود الحزب النازي، واستلامه السلطة، فرصةً ذهبيةً لإجبار اليهود على الرحيل إلى فلسطين، وتحقيق فكرتها القائلة، بأن اليهود يجب ألا يكونوا جزءاً من مجتمع غير يهودي.

ومنذ البداية أجرت الصهيونية اتصالات بقادة النازية، وقد عبر الصحفي الألماني هانس هينه عن هذا التوافق بقوله، إن الصهيونيين لم يعتبروا توطيد أقدام النازيين في ألمانيا، كارثةً قوميةً، بل اعتبروه إمكانيةً تاريخيةً فريدةً، لتحقيق المقاصد الصهيونية.

اتخذتْ العلاقة بين الحركة الصهيونية والنازية، شكلها الرسمي، بتوقيع الرايخ الألماني والوكالة اليهودية اتفاقية "هعفراه"، وتعني بالعبرية النقل أو التحويل، والاتفاقية سمحت بنقل رؤوس أموال اليهود الألمان المهاجرين إلى فلسطين، مقابل إلغاء الصهيونية الحصار الاقتصادي الذي فرضه اليهود على البضائع الألمانية، بسبب القوانين التي فرضتها ألمانيا النازية على اليهود الألمان.

كشف المستشرق البريطاني فارس غلوب، النقاب عن أن رودولف كاستينر من لجنة الإنقاذ التابعة للوكالة اليهودية في بودابست، وقع اتفاقاً مع أودلف أيخمان، يتعلق بمصير 800 ألف يهودي في المجر.

وسمح هذا الاتفاق بهجرة 600 صهيوني بارز، مقابل إبادة اليهود المجريين.

وكان الشرط الإلزامي في الاتفاقية، ألا يتدخل كاستينر في عمل النازيين. وزاد التعاون بين الطرفين بأن سمحت السلطات النازية بإقامة دائرة إنقاذ برئاسة كاستينر.

وقد تم إخراج تلك الاتفاقية إلى العلن في 1953 إثر الفضيحة المعروفة ب "قضية كاستينر".

وحتى لا ينكشف المزيد من المعلومات عن تعاون الوكالة اليهودية مع النازية، عمدت المخابرات الإسرائيلية إلى قتل كاستينر على يد أحد عملائها.