مسيرة العودة في غزة (أرشيف)
مسيرة العودة في غزة (أرشيف)
الخميس 5 أبريل 2018 / 20:33

رسائل غزة

أعادت غزة في يوم الأرض الاعتبار للكفاح السلمي عندما يكون مدروساً ويكون شعبياً ويكون بعيداً عن الأجندات المصلحية لعشاق السلطة والنفوذ.

أبلغ رسالة وجهتها غزة يوم الثلاثين من مارس كانت موجهة إلى الشعب الفلسطيني الذي كاد يقتله اليأس من تمادي الانقسام واستحالة انهائه، ورسالة إلى الإسرائيليين تقول إن كل يوم يمر بلا حل يقبل به الفلسطينيون سيكون مفاعلاً للعنف والدم

الناس البسطاء الذين يشربون الماء الملوث، ويعيشون في الظلام إلا من سويعات قليلة تزورهم فيها الكهرباء، الناس البسطاء المحشورون بين الحواجز والممنوعون من السفر، هؤلاء هم الحراس الحقيقيون للحقوق الفلسطينية التي تكاد تتبخر بين نيران أجندات القريبين والبعيدين، كانوا هذا العام، الطليعة الأقوى في ظاهرة يوم الأرض التي انبثقت من قلب مدن وقرى فلسطين التاريخية.

فيما مضى كان يوم الأرض يحتفى به عبر بيانات ومهرجانات محدودة في هذا المكان أو ذاك، وفي غمرة التطورات السياسية ذات الطابع السلمي كاد أن ينسى، وكان الاحتفاء به نوعاً من رفع العتب ليس إلا، غير أن نداء الأرض الفلسطينية انخبى لفترة تقصر أو تطول، إلا أنه ينهض ولكن بقوة أشد، حين يتحد الوعي الجمعي الفلسطيني على الشعور بخطر ماحق يهدد الأرض والإنسان والهوية.

وما حدث في يوم الأرض هذا العام انطوى على تعديلات جوهرية في معادلة الرتابة التي فرضت نفسها على الواقع العربي، فقال الغزاويون للعالم، إن الحصار مهما ضاق لا ينفع، وإن الاضطرار لشرب الماء المالح لا يميت، وإن انقطاع الكهرباء لا يغلف الإرادة بالظلام، وإن الاقتتال بين القوى على سقط متاع السلطة لن يصل إلى الروح لأن الذي يحمي الروح هم الناس لا تجار السياسة والشعارات.

هذا ما فعلته غزة وما تضامن معها فيه كل الفلسطينيين ومحبيهم العرب والمسلمين وأحرار العالم.

هل يكون ما حدث في غزة درساً يستفيد منه السياسيون المتقاتلون بلا هوادة حول كل شيء؟ وهل يكون الدم الغزير الذي سال في يوم الأرض خلف الأسلاك الشائكة كافياً لأن يعيد المقتتلون النظر في حساباتهم التي يفترض أن يقوم اعوجاجها الدم البريء؟ أم يكون ما حدث في غزة مجرد سطر يكتب تحت رقم الثلاثين من آذار، وفي أفضل الأحوال يكون عنواناً لقصيدة أو ذكرى يوم مجيد؟

أبلغ رسالة وجهتها غزة يوم الثلاثين من مارس (آذار) كانت موجهة إلى الشعب الفلسطيني الذي كاد يقتله اليأس من تمادي الانقسام واستحالة انهائه، ورسالة إلى الإسرائيليين تقول إن كل يوم يمر بلا حل يقبل به الفلسطينيون سيكون مفاعلاً للعنف والدم، ورسالة تقول للأمريكيين الذين ما زالوا يعدون صفقة القرن، أن الفلسطينيين لن يختصروا في زاوية الحل الإنساني بل يحتاجون إلى حل سياسي ينهي مأساتهم، ويضعهم في المكان اللائق بهم بين دول وكيانات العالم، ورسالة تقول للقمة العربية القادمة والقريبة، ها هم الفلسطينيون يصوبون الاتجاه الذي كاد أن يذهب إلى مكان آخر وليس أمام هذه الأمة التي ابتليت بربيع دام مدمر إلا أن تعيد إشهار القضية الفلسطينية كقضية مركزية تجمع ولا تفرق.