اشتباكات بين متظاهرين فلسطينيين وجنود إسرائيليين قرب السياج الشائك في غزة.(أرشيف)
اشتباكات بين متظاهرين فلسطينيين وجنود إسرائيليين قرب السياج الشائك في غزة.(أرشيف)
الأحد 8 أبريل 2018 / 19:44

الكيل بمكيالين والنظر بعين واحدة

هل تجوز، فعلاً، مقارنة الفلسطينيين بالنازيين؟ ألا يعتبر ذلك ابتزازاً رخيصاً، وتشويهاً لحقيقة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في فلسطين وعليها؟

ليس صحيحاً أن المظاهرات على حدها الفاصل مع قطاع غزة تشكّل تهديداً وجودياً للدولة الإسرائيلية. كل ما في الأمر أنها تلحق الضرر بسمعة إسرائيل السياسية في العالم، ولكن هذا الضرر لا يصل حد فرض عقوبات أو ملاحقة دولية. وهذا ما اعتادت عليه، وتعايشت معه، حكومات إسرائيلية متلاحقة.

لذا، ينبغي التوقّف أمام ردود أفعال الساسة الإسرائيليين، وطريقة توصيفهم لما وقع، ويقع، على الحد الفاصل هذه الأيام. فنتانياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية يتهم المتظاهرين بالنازية، ويرى في التظاهر باسم حقوق الإنسان مجرّد خدعة، فالمتظاهرون، كما يقول "يتحدثون عن حقوق الإنسان، ولكنهم يريدون دوس دولة اليهود، لن نسمح لهم، سنقف صامدين، سنحافظ على البلاد".

ولكن، حتى ذا افترضنا جدلاً أن المتظاهرين يضمرون "دوس دولة اليهود" فهل لدى قرابة مليونين من البشر، في قطاع غزة، لا يجدون الماء الصالح للشرب، ولا يتمكنون من مغادرة مكان تبلغ كثافته السكانية خمسة آلاف نسمة في الكيلومتر المربّع الواحد، ويعيش أغلب سكّانه دون خط الفقر، ما يكفي من وسائل القوّة لترجمة نواياهم إلى أفعال؟

وهل يحق لدولة تملك أسلحة نووية، وجيشاً حديثاً، واقتصاداً مزدهراً، أن تتكلّم بلغة كهذه عن ملايين من البشر تحتلهم منذ ما يزيد عن نصف قرن؟ وهل تجوز، فعلاً، مقارنة الفلسطينيين بالنازيين؟ ألا يعتبر ذلك ابتزازاً رخيصاً، وتشويهاً لحقيقة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي في فلسطين وعليها؟

وفي سياق مشابه، وصف ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي، قتل المتظاهرين برصاص قنّاصة الجيش، بالدفاع عن النفس، وما يفعله المتظاهرون بالإرهاب. فالجيش الإسرائيلي، يقول ليبرمان "هو الأكثر أخلاقية في العالم"، وينبغي، كما يقول، مقارنة ما يحدث على الحد الفاصل مع غزة بما يحدث في المنطقة: "عندما ننظر إلى المنطقة كلها، حيث قتل نصف مليون في سوريا ومئات الآلاف يقتلون في السودان وليبيا والعراق. لا أحد يتأثر. وفقط عندما نعمل نحن دفاعاً عن النفس أمام موجة إرهاب، فجأة يصرخ الجميع". والملاحظ في كلام ليبرمان أن عبارة "العمل دفاعاً عن النفس" تنوب عن عبارة "عندما نقتل"، وتضفي على فعل القتل، المفهوم ضمناً، شرعية أخلاقية وسياسية.

والواقع أن هذا القدر من التلاعب بالدلالات إلى حد يسمح بمقارنة الفلسطينيين بالنازيين، وتحويل مظاهر احتجاج شعبية إلى خطر وجودي، وتحويل القتل إلى دفاع عن النفس، يجد أفضل تفسير محتمل في تعليق هغاي إلعاد، مدير المركز الإعلامي الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيليم).

ففي معرض التعليق على قتل المتظاهرين الفلسطينيين يقول إلعاد: يدرك قادة إسرائيل استحالة الاستمرار في احتلال ملايين من الناس دون ارتكاب جرائم حرب، فهذا هو المعنى المباشر لفرض السيطرة على شعب آخر. فالاحتلال ليس مجرّد الاستيلاء على أرضه، ولا فرض نظام السيّد والتابع، ولا إنكار حقوقه السياسية، ولا تكريس منظومة إجراءات بيروقراطية لا أوّل لها ولا آخر، بل ومع هذه الأشياء كلها ضرورة تكرار أعمال القتل من وقت إلى آخر.

ولا ينبغي، في هذا السياق، تجاهل مسألة يصعب تجاهلها، وتتمثل في حقيقة أن أمثال إلعاد أصبحوا يجدون مصاعب جدية في التعبير عن قناعاتهم في المجتمع الإسرائيلي. كان انتقاد هؤلاء جزءاً من الثقافة السياسية في إسرائيل، ولكن التحريض ضدهم، واتهامهم بالعداء للدولة، ووصفهم بالطابور الخامس، من جانب قوى اليمين الديني والقومي، بقدر غير مسبوق من الحدة، يُعتبر جديداً في السياسة الإسرائيلية.

وبهذا المعنى، تُحيل ظاهرة قتل المتظاهرين، على الحد الفاصل مع غزة، منذ نهاية الشهر الماضي، إلى حقيقة الاحتلال، وإلى أدوات ووسائل الدولة الإسرائيلية في الحفاظ عليه، وضمان ديمومته، وإلى ما يستدعي تحقيق هذا وذاك من لغة يتحوّل فيها فعل القتل إلى دفاع عن النفس، والتظاهر السلمي إلى نوع من الإرهاب. وفي هذا وذاك ما يصدق عليه وصف الكيل بمكيالين، والنظر بعين واحدة.