من جمعة الكوشوك.(أرشيف)
من جمعة الكوشوك.(أرشيف)
الثلاثاء 10 أبريل 2018 / 20:01

جنرال الدخان الأسود

المعطيات الداخلية الفلسطينية لا توحي بأن حظوظ دخان "الكاوتشوك" الثاني أفضل من الحظوظ التي توفرت لدخان "الكاوتشوك" الأول لاسيما أن فكرة المقاومة السلمية القادرة على تحييد نقاط القوة الاسرائيلية لم تنضج عند حركة حماس

يمتد حضور الإطارات المحروقة ودخانها الأسود في تاريخ الفلسطينيين وتجربتهم الملتبسة إلى ما هو أبعد من "جمعة الكاوتشوك" التي جددت الأسئلة المسكوت عنها حول مآلات حراك قطاع غزة.

قد لا يكون الأول خلال حصار بيروت في العام 1982 لكنه الأشهر والأكثر صخباً في ذاكرة الاجيال التي عايشت تلك السنوات وعبرت معها منعطفاً حاداً في التاريخ السياسي الفلسطيني المفتوح دائماً على المجهول.

للتغلب على انكشاف المدينة للطيران الإسرائيلي أمر العسكري الفلسطيني الأول سعد صايل "أبوالوليد" قوات المقاومة بإشعال الإطارات ليمتد دخانها إلى السماء وحقق بعض النجاح في مراوغة الطيارين الإسرائيليين وحرمانهم من الوصول الى أهدافهم.

لم يكن صايل في وارد البحث عن الشعبية وهو يجنب المقاومة والمدنيين الخسائر في الأرواح لكن إبداعه العسكري، كان محل اهتمام الشارعين الفلسطيني واللبناني رغم لعبة توجيه وحجب الأضواء التي أتقنتها قيادة منظمة التحرير واستخدمتها لطمس الرأي الآخر.

تركت تراجيديا اغتياله بعد أشهر من مآثره البيروتية اعتقاداً بأن موته بعض مقدمات تصفية العسكرية الفلسطينية التي فقدت دورها إثر توقيع اتفاق الخروج من المدينة المحاصرة مع المبعوث الأمريكي فيليب حبيب لاسيما أن حادث الاغتيال سبق قرار نقل قادة عسكريين إلى المنافي الجديدة الذي ساهم في تفجير تناقضات حركة فتح واندلاع انتفاضة "حملة البنادق" التي تحولت لانشقاق فيما بعد.

أتاح غموض ظروف الاغتيال تبادل الإتهامات حول مسؤوليته وأبقى الطريق سالكة أمام تنصل الأطراف من مسؤولياتها، فمن ناحيتها حاولت قيادة فتح التخلص من الشبهات بتوجيه الأصابع إلى القوات السورية في البقاع وفي المقابل لم تخل جعبة المنتفضين من حجج تدين خصومهم.

علق في أذهان الذين تابعوا تداعيات الكمين الذي استهدف أرفع الرتب العسكرية الفلسطينية بعض الشواهد، بينها رفض زوجة الفقيد استقبال خليل الوزير لدى قدومه إلى بيت العزاء وقبول التعازي من زعيم اليسار الفتحاوي نمر صالح وتدني مستوى لجنة التحقيق التي شكلتها قيادة فتح للكشف عن ملابسات الاغتيال وسط احتجاجات المقربين من صايل واختفاء العقيد الذي نفذ الهجوم.

بغياب سعد صايل وفشل انتفاضة رفاقه تم إسدال الستار على تجربة كان الإبداع في استخدام دخان اطارات "الكاوتشوك" أحد ملامحها وجرى التخلص من رموزها لتنطلق أخرى مغايرة لا علاقة لها بالأولى ثبت فشلها لاحقاً وما زالت تلقي ظلالها على "كاوتشوك" غزة.

المعطيات الداخلية الفلسطينية لا توحي بأن حظوظ دخان "الكاوتشوك" الثاني أفضل من الحظوظ التي توفرت لدخان "الكاوتشوك" الأول، لاسيما أن فكرة المقاومة السلمية القادرة على تحييد نقاط القوة الاسرائيلية لم تنضج عند حركة حماس التي تتعامل مع الحراك باعتباره طريقة للخروج من المأزق وتحسين أوضاع القطاع وتخليصه من بعض أزماته المزمنة ويحتفظ خصمها اللدود حركة فتح بدوره كحزب للسلطة ليأخذ الحراك في تفكيره صورة الأداة التي يمكن استخدامها لمساومة حماس والضغط عليها وتعيش قوى اليسار الفلسطيني حالة أقرب إلى الموت الدماغي.