الإثنين 11 فبراير 2013 / 14:39

كتاب راحلون ينالون الاهتمام الأكبر على فيس بوك

24 ـ نادر رنتيسي

كان آخر عهد الشاعر الراحل نزار قباني بالتكنولوجيا: الفاكس والكومبيوتر الأبيض الثقيل ومواقع قليلة على شبكة الإنترنت، وهواتف خلوية محدودة الذكاء، وهي الأشياء التي لم يألفها.

وكان على قناعة أنها ستفسد الحبَّ، لذلك كانت واحدة من قصائده الأخيرة قبل وفاته في 30 أبريل (نيسان) 1998، مكرَّسة لهجاء الحب في القرن الحادي والعشرين، وبدا غير متحمِّس لحداثة "تلغي ذاكرته الشعرية".

لم يشهد الشاعر الراحل التسارع المذهل للتكنولوجيا بعدما فقدت كوابحها في سنوات الألفية الجديدة، فكان آخر عهده بطرق وصول قصائده إلى الملايين من معجبيه، عبر غناء بعضها بأصوات مشاهير الطرب العربي، ومن خلال أمسياته مسجَّلةً على أشرطة "كاسيت"، وبصورة أساسية في دواوينه التي كانت تطبع في دار نشر خاصة به باسم "منشورات نزار قباني". ولن يعرف أن "ذاكرته الشعرية" باتت محفوظة بقدرات تخزينية فائقة، ومتاحة لملايين، ولد كثير منهم بعد قصيدة "الحب في زمن الفاكس!"

فعلى موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك يتصدر اسم نزار قباني قائمة المبدعين بعدد كبير من الصفحات، وأعداد المعجبين فيها، فخمس منها يصل عدد رواد الواحدة منها إلى  نحو 3 ملايين، مقابل عشرات الصفحات التي لا يقل رواد الواحدة منها عن نصف مليون معجب. وفي كل تلك الصفحات قصائد معروفة للشاعر الذي بدأ تجربته منتصف أربعينيات القرن الماضي، محققاً شهرة مدوية بفضل تطرقه لمواضيع مسكوت عنها في المجتمعات العربية المحافظة، وبلغة بدت جديدةً قريبةً من الناس، ومجاريةً لحديثهم اليومي، ما جعلها متجددةً، وقابلةً للحياة كلما خفَّ رتمها، ما أتاحَ لها أن تتسيَّد "المشهد الافتراضي".

في مديح محمود درويش
وفي المشهد الافتراضي أيضاً تحضر بقوة تجربة الشاعر الراحل محمود درويش الذي توفي في التاسع من أغسطس (آب) 2008، أي في بداية تنامي حضور موقع فيس بوك في المنطقة العربية، بعد أربعة أعوام على إنشائه كموقع للتواصل بين طلاب جامعة هارفارد الأمريكية. ظل صاحب "مديح الظل العالي"، مخلصاً في طقوسه الكتابيَّة لقلم الحبر، والورق غير المسطر، فلم تدهشه التكنولوجيا الحديثة، ولم يترقب هوس معجبيه على صفحات فيس بوك الذي سيبلغُ بعد نحو 5 أعوام على وفاته المباغتة حدَّ أنْ يصير الافتراضي الشهير وجه محمود درويش!

ففي الذكرى الرابعة لوفاة صاحب "لماذا تركتَ الحصان وحيداً"، وضع محبو محمود درويش صورته مكان صورهم على صفحاتهم الخاصة، وأتاح لهم نظام اليوميات "التعبير الفني" عن شغفهم بواحد من مشاهير القرن العشرين، فأصبحت عباراته الشعرية الشهيرة على غرار "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، أو "ما زلتُ حياً في مكان ما"، براويز تعلو الصفحات ودلالة واضحة على الميول الشعرية لصاحب الصفحة الذي من الضرورة أن يكون منتسباً لواحدة من عشرات الصفحات التي أنشأها قراء الشاعر الراحل باسمه، وتنشر أشعاره ومقتطفات من حوارات متلفزة معه، وصوراً نادرةً، خصوصا من مراحل طفولته وفتوته التي كانت تنبئ بشاعر تتخطى شهرته حدود الوطن العربي.

لم يقتصر احتفاء "الفيسبوكيين" على الأدباء الراحلين، إذا تطوع قراء لإنشاء صفحات بأسماء مبدعين ما يزالون على قيد الكتابة، ويبقى حضور الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي الأبرز، خصوصاً عبر الصفحة الأضخم التي تضم نحو مليون مشترك، وتنشر فيها مقاطع من ثلاثيَّتها المعروفة "ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير"، وكان للصفحات العديدة المختصة بمتابعة كتابة الروائية الجزائرية، أثر كبير في تسويق كتابها السردي "نسيان دوت كوم"، وروايتها الأخيرة "الأسود يليق بكِ"، التي حققت مبيعات استثنائية في معرضي الكتاب في بيروت والكويت ومعرض الشارقة الذي بيع فيه نحو 5 آلاف نسخة في عشرة أيام. ويحظى مواطنها واسيني الأعرج بحضور لافت على صفحات فيس بوك، منها صفحة تقترب من 900 ألف مشترك تنشر فيها مقاطع من رواياته، وبعض عبارات قصيرة بأبعاد فلسفية.