الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والرئيس الأفريقي الجنوبي السابق جاكوب زوما.(أرشيف)
الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والرئيس الأفريقي الجنوبي السابق جاكوب زوما.(أرشيف)
الأربعاء 11 أبريل 2018 / 20:15

لماذا كلّ هذا الفساد في العالم؟

الفساد يكاد يكون أكثر ما يحكم عالمنا، بل يكاد هذا العالم يتّحد حول الفساد مثلما يتّحد حول أجهزة التليفون الخلويّ

من عادات الشعبويّين شتم السياسة واعتبار السياسيّين فاسدين ومؤسّساتهم زائفة. هذه حجّة فاسدة وزائفة بدورها. إنّها من أكثر ما يقوّض الحياة الديمقراطيّة والدستوريّة لصالح "الحلول" العنفيّة والانقلابيّة والمضادّة للمؤسّسات. وهي تمهّد لصعود ديماغوجيّين ودجّالين يعدون اليائسين بـ "خلاص" مضمون ومؤكّد.

مع ذلك، تبدو هذه الحجّة أقوى ما تكون في يومنا. هذا بعض ما يفسّر قوّة الزعامات الشعبويّة راهناً، في مشارق الأرض كما في مغاربها.

رجال ونساء. يمينيّون ويساريّون. صغار السنّ وكبار السنّ. مناهضون للإمبرياليّة وملتحقون بها. أمريكيّون شماليّون وأمريكيّون جنوبيّون. أوروبيّون وآسيويّون وأفارقة... كلّهم فاسدون.

في الشهر الماضي وحده، أتحفنا الفساد بحصيلة في ما يلي بعض عناوينها الأبرز:

نيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا بين 2007 و2012، أصبح منذ 20 آذار (مارس) الماضي في عهدة البوليس الفرنسيّ بتهمة الرشوة وقبول مساهمات ماليّة لحملته الانتخابيّة في 2007 من حاكم ليبيا المقتول معمّر القذّافي.

لولا، أو لويس إيناشيو لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل بين 2003 و2011، سلّم نفسه أخيراً، يوم السبت الماضي، للشرطة. التهمة: حصوله على شقّة فاخرة مقابل مساعدته شركة بناء في الحصول على عقد مع شركة النفط الوطنيّة "بتروبراس". قضيّة لولا قد تكون الأضعف صدقيّةً والأكثر تسييساً بهدف حرمانه من الترشّح (ومن الفوز المضمون) في انتخابات تشرين الأوّل (أكتوبر) المقبل.

جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا منذ 2009 حتّى استقالته في 14 شباط (فبراير) الماضي، متّهم بفساد يعود إلى صفقات أسلحة تمّت في التسعينات. ملفّ فساده يتفرّع إلى 16 ملفّاً.

في كوريا الجنوبيّة، الفساد رياضة السياسيّين الوطنيّة. الرئيس السابق لي ميونغ باك (2008 – 2013) وُجّهت إليه في 9 نيسان (إبريل) الجاري التهم التالية: الرشوة، إساءة استخدام السلطة، تبديد المال العامّ، التهرّب الضريبيّ. حصل هذا بعد أيّام فقط على الحكم الذي صدر بحقّ بارك جيون هاي (24 سنة سجناً)، رئيسة الجمهوريّة التي خلفت باك وأُزيحت من الرئاسة في العام الماضي. الرؤساء الأربعة السابقون لكوريا الجنوبيّة، الذين لا يزالون على قيد الحياة، حُكموا وسُجنوا كلّهم بتهم فساد. أحدهم، روه مو هايّون، انتحر.

هناك أيضاً قصص فساد أثارتها الصحافة وقد تكبر لاحقاً كما تكبر كرة الثلج.

هكذا يتبدّى للمراقب أنّ الفساد يكاد يكون أكثر ما يحكم عالمنا، بل يكاد هذا العالم يتّحد حول الفساد مثلما يتّحد حول أجهزة التليفون الخلويّ.

وهو يفد من دروب شتّى: في أنظمة الاستبداد، يأتي الفساد من انعدام الرقابة على حاكم يظنّ أنّ البلد وثرواته أملاك شخصيّة له ولعائلته. لكنْ في الأنظمة الديمقراطيّة أيضاً يصدر الفساد عن التحايل على القانون وتعاظم دور المصالح الماليّة الكبرى في الحياة السياسيّة. وبين عالمي الاستبداد والديمقراطيّة، تنشّط الفسادَ الصفقاتُ الكبيرة والعمولات والسمسرات، وهذا ما يمتدّ من مشاريع البناء إلى مبيعات السلاح. ينبع الفساد أيضاً من منابع أخرى، كشبكات تهريب المخدّرات أو الحركات المسلّحة في سعيها إلى تمويل نفسها والعمليّات التي ترافق هذا النشاط.

ومنذ ربع قرن، هناك "ثقافة المال" التي حقّقت انتصارها الكبير بعد انتهاء الحرب الباردة ومع انفجار العولمة في ظلّ ضعف أجهزة الرقابة والتحقّق.

الأسباب تتعدّد فيما يبقى الموت واحداً. وهذا، على عمومه، مدعاة لتشاؤم كبير بعالمنا وبمستقبله على السواء.