أولاد سوريون على متن باصات خضر في الغوطة.(أرشيف)
أولاد سوريون على متن باصات خضر في الغوطة.(أرشيف)
الخميس 12 أبريل 2018 / 20:00

مسيرة التماثيل في سوريا

المستشار الإيراني يبدو، على نحو غريب، وكأنه قادم مباشرة من "متحف شمع" من أجل الصورة، وستجري اعادته مباشرة إلى الصالة، ولكن الجندي على التلة سيبقى هناك كتمثال مشوش من "الكونكريت"

وفي السنة السابعة، وما بعدها، يقف السوريون من أهالي الغوطة، ما تبقى منهم، وهذا ليس مجازاً، وهم يحدقون في نوافذ الحافلات الخارجة من "دوما" إلى "إدلب" أو "تل رفعت" في الشمال، ليس واضحاً بعد، لعلهم يبصرون أولادهم وبناتهم الذين "حررهم" النظام من أقبية المعارضة، بعد أن فرغ، النظام، من قتل أطفالهم الذين لم يبلغوا سن الاعتقال.

في خلفية المشهد يقف أكبر علي ولايتي مستشار المرشد الإيراني خامنئي بملابس مدنية وقميص أبيض مزرر حتى العنق، وهو يتحدث باهتمام مع ضابط من جيش النظام الذين اقتحموا الغوطة بعد حصار السنوات الخمس، يحاول المستشار، الذي يبدو مطمئناً في اللقطة، أن يتأكد من سلامة "الانتصار"، بينما يظهر في أفق الصورة ركام بناية وجندي على تلة، فيما يبدو أنه نوبة حراسة، وهو يدير ظهره للكاميرا.

المستشار الإيراني يبدو، على نحو غريب، وكأنه قادم مباشرة من "متحف شمع" من أجل الصورة، وستجري اعادته مباشرة إلى الصالة، ولكن الجندي على التلة سيبقى هناك كتمثال مشوش من "الكونكريت"، فيما يظهر السوريون وهم يحدقون في نوافذ الحافلات مثل تماثيل من الطين الخارج لتوه من الأفران.

في الشمال البعيد، حيث ستصل الحافلات التي حملت "مجاهدي" جيش الاسلام وعائلاتهم قبل انتصاف الليل، يؤدي "الجيش الحر" دور "الكشاف" لجيش العثمانيين الذي يدك بيوت الكرد السوريين وقراهم ويدفعهم خارج بيوتهم وحقولهم، في دورة متجددة سبقها دفع الفلاحين العرب وعائلاتهم نحو خطوط قتال ومخيمات مهجرين أقيمت على عجل.
  
وفي لقطة جانبية يحطم مقاتلون سوريون من الذين "حرروا" عفرين تمثال "كاوا الحداد"، أحد أبطال الميثولوجيا الكردية، الذي ينسب اليه تخليص الشعب الكردي من سطوة وظلم الملك الفارسي "أزدهاك"، لقد ذهب "الحداد الكردي" ضحية سوء فهم شامل حول دوره في المقتلة السورية الجارية وتداخل أفكاره مع "سجين أردوغان"، عبدالله أوجلان.

تمثال عفرين المحطم، جسد كاوا، الذي تمدد أمام قاعدته المتواضعة في مشهد تراجيدي، تاركاً المجال لصعود مقاتل على جثته وهو يرفع علماً سورياً بثلاثة نجوم، يذكر بقوة بذلك الداعشي الذي تسلق تماثيل الموصل وهو يضع الإزميل في أعناقها الحجرية وأثداء النساء، أثداء النساء الأشوريات تحديداً، ويطرق، ويواصل الطرق بغضب وإيمان بينما يتناثر غبار التماثيل المقتولة على لحيته وشعره وأرضية "المتحف" الذي يغص بالصدى والأصنام.

قبل سنوات جرى، بنفس الروح والطريقة تقريباً، إعدام تمثال الثائر السوري في مواجهة الانتداب الفرنسي إبراهيم هنانو في إدلب، هنانو الذي جلس معنا في صفوفنا وفي حصص التاريخ، والذي بدا في حينها شجاعاً ونبيلاً وملهماً، أو تمثال الشاعر أبو العلاء المعري الذي جرى إعدامه بقطع رأسه، دون رأفة، في "معرة النعمان".

مطاردة التماثيل، واقتفاء آثارها في المتاحف والساحات، تبدو هنا امتداداً طبيعياً لمطاردة الناس واصطياد أحلامهم، وتحطيمها بالمطارق، التماثيل، تنويع على قتل المخيلة.

في إضافة للمشهد، على مفترقات طرق افتراضية، تنتظر طائفة وصول وعود سماوية، بشر بها "ترامب"، الطائفة التي لا تيأس تواصل التحديق في السماء بانتظار "الوصول الرسولي" لـ "ترامب" بزي المخلص.