ماركوس رودريغيز بانتوخا.(أرشيف)
ماركوس رودريغيز بانتوخا.(أرشيف)
الجمعة 13 أبريل 2018 / 19:57

حياة بين الذئاب

جرّبنا أن ننزع عن المتهمين قرون الأبالسة، وأن نفكّر في أنهم ربما حين يستعرضون كمالياتهم، فإنما هم يتمنون التستر على فراغهم الروحي المؤلم؟

في عمر الـ7، وجد الطفل ماركوس رودريجيز بانتوخا نفسه وحيداً تماماً في الجبال الإسبانية بعد وفاة راعي الأغنام العجوز الذي كان قد عُهد إليه برعايته. وفي قصة أقرب إلى "سبيستون" من الحقيقة، تبنّته أنثى ذئب، وآخت بينه وبين جرائها، حتى انتزعته السلطات من قطيعه في عمر الـ19، وأرغمته على العودة إلى بشرية لا تشابهه.

واليوم في عمر الـ72، لا زال بانتوخا عاجزا عن التكيّف الكلي، ولكن نصيحة واحدة روّضته على تحمّل وعثاء بني آدم.

يقول الرجل القرطبي إنه شكى يوماً من شعوره بتقليل الآخرين وسخريتهم منه، لأنه لا يستطيع مجاراتهم في وعيهم بالسياسة، أو إلمامهم بكلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة، فقال له طبيبه ببساطة، "اضحك عليهم، فجميعهم أشد جهلا منك".

ولا أود سرقة بقعة المظلومية من "ماوكلي" الإسباني، ولكني أنا أيضاً كنت سعيدة في "وجاري" الدافئ لسنوات طوال، حتى أُلقي بي في غابة مخيفة تُدعى المدرسة، حيث افترسني الأطفال باستهزائهم بوزني وهواياتي.

أتخيّل فقط لو أن أحد الكبار -أولئك الذين يفوقونني خبرة في النجاة من البشر- لم يقم حينها بشيطنة هؤلاء الصغار الذين بدوا لي صنفًا متوحشاً من المخلوقات. أتخيّل لو أن أحداً لم يصفهم لي بقليلي الأدب، منعدمي التربية، منحطي الأخلاق، أو يلقنني الرد متدني القدرة على الإفحام- حتى آنذاك-: "وأنا آكل من كيس أبوك؟".

ماذا لو عوضاً عن التشنيع على هؤلاء المتنمرين، كشف لي أحدهم أن الطفل الذي يغني لي "دبة متينة، تأكل طحينة" كان يحاول أن يواري انعدام ثقته الخاص بهيئته؟ وبأن الذين يضحكون حد الدموع على اهتماماتي كانوا يسعون إلى إخفاء عدم شعورهم الشخصي بالأمان في تبيان اختلافهم عن أقرانهم؟

إن كان قد فات الأوان بالنسبة لي، فلم يفت بالنسبة لأولئك الذين يترعرعون اليوم في العوالم الافتراضية، فيلعبون بين أزقة "انستغرام" و "سناب شات".

 إنهم مثل بانتوخا، إذ تسحبهم يد "السوشيال ميديا" من حضن المألوف والمريح والمقبول، وتدحرجهم على سفح مظاهر ومعايير وأساليب حياة لا عهد لهم بها.

يبدو أن الحل الأسهل هو في أن نحشي آذانهم بالتحذيرات من أن هؤلاء الذين يحيون في شاشاتهم –سواء كانوا مشاهير أم أشخاصاً عاديين- هم متكبرون، متباهون، متفاخرون، متعمدون في استفزازهم لمقدرات الآخرين المادية، وإشعارهم بالنقص حيال ما يمتلكونه.

هل جرّبنا أن ننزع عن المتهمين قرون الأبالسة، وأن نفكّر في أنهم ربما حين يستعرضون كمالياتهم، فإنما هم يتمنون التستر على فراغهم الروحي المؤلم؟ أو أن صور رحلاتهم الفارهة هي محاولة لـ "منتجة" حياة شخصية تعيسة؟

إذا استطاع بانتوخا، وهو المفتقر إلى عقدين بالغي الأهمية من الخبرة في التعامل مع الحيوانات الناطقة، أن يعي سرّ تضاحكهم الوقح عليه، فمتى نتعلم نحن النظر إلى ما هو أعمق من سلوكيات بعضنا بعضا السيئة؟