تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الأحد 15 أبريل 2018 / 19:45

صوت في رأسك يريد أن يدمر حياتك

عندما تراقب عقلك، تجد أنه دائماً وأبداً يبحث عن المشاكل ويغرس أنيابه فيها ويورطك معه فيها. أنت لا تستخدمه، بل هو يستخدمك

بحسب المعلم الروحاني إيكهارت تول فإن الوظائف التي يقوم بها العقل تنقسم إلى قسمين: نافع وضار، والنافع منها يشكل نسبة تتراوح بين 10 و 20 % من تلك الوظائف. هذا معناه أن أغلب ما يفعله عقلك، يضرّك. العقل بلا شك أداة رائعة عندما نستخدمها استخداماً صحيحاً، لكنه يصبح مدمراً لحياة الإنسان عندما يُستخدم على نحو خاطئ، عندما لا يعرف حدوده. 80% أو تزيد هي عبارة عن بحث العقل عن المشاكل، يتردد على المناطق السلبية التعيسة ويزاول هوايته في البحث عن لذة الألم.

عندما تراقب عقلك، تجد أنه دائماً وأبداً يبحث عن المشاكل ويغرس أنيابه فيها ويورطك معه فيها. أنت لا تستخدمه، بل هو يستخدمك، وأنت تتابعه ظناً منك أنك هو، وأنه يُشكل هويتك. عقلك ليس أنت، أنه حالة متغيرة تتغير بتغير المزاج وتغير الظروف المحيطة بك. إنه لا يملك معايير دقيقة يحتكم ويحاكم نفسه بناء عليها. كل المعايير تطير في الهواء، وكل الأحكام تتغير بشكل دوري، ولا شيء يبقى ثابتاً لأن العقل ليس بجوهر ثابت كما تصوّر أرسطو والفلسفة المشائية. نحن نصف الإنسان الذي يقول إنه يسمع أصواتاً في رأسه، بأنه مجنون، مع أننا كلنا نسمع أصواتاً تتحدث في رؤوسنا في كل لحظة. هناك حوارات مطولة وقصيرة تدور في رأسك على مدى ال 24 لا يقطعها إلا النوم، فعلام تتهم الناس بالجنون؟! عمليات فكرية تدور في كل لحظة من حياتنا العقلية، وهذه العمليات الفكرية تدور أغلبيتها الساحقة حول مخاوفنا وغضبنا وألمنا وحزننا، وكثير من اللوم نرسله إلى الناس وإلى أنفسنا. وإنه لأمر عجيب غريب عندما تقول: "أنا ألوم نفسي" فمن اللائم ومن الملوم؟! كأنما أنت اثنين ولست واحداً. وإن كان اللوم هنا قد وقع من العقل على خطأ وقعت فيه في الماضي، فتأكد أن ذلك الخطأ قد وقع من قبل العقل نفسه وبإقراره، هذا إذا قلنا أن هويتك عقلية فقط. أما إذا قلنا أنك عقل ونفس أو روح غير الجسد، بمعنى أنك ثلاثة، فهذا معناه أنه ينبغي لك أن تميز بين هذه الهويّات الثلاث. هذا العقل، إنه لا يتوقف عن إصدار الأحكام، عليك وعلى الناس، إنه لا يكف عن استدعاء الماضي وما أصابك فيه من همّ وحزن، إنه لا يكف عن التعبير التفصيلي الدقيق بخصوص خوفه من المستقبل وما يمكن أن يحدث فيه. ما أكثر الناس الذين يعيشون معذبين بسبب هذا الصوت الذي يسمعونه في رؤوسهم، يهاجمهم ويعاقبهم باللوم ويذكرهم بأخطائهم في الماضي ويخوفهم من الجوع والفقر في المستقبل.

إذا أدركت هذا جيداً، فالخبر السعيد هو أنك يمكن أن تتحرر من الأسر. يمكنك بشيء من التدريب أن تعيش – أخيراً – في بستان السلام الداخلي، إلى الأبد. يلزمك أن تقوم فقط بخطوتين، أولاهما أن تدرك عداوة العقل لك، وثانيهما أن تعرف كيف تتأمل. التأمل هنا ليس التأمل الفلسفي الذي يسعي لتحليل وتركيب الأفكار، بل التأمل هو إيقاف التفكير. أن تجلس في كل يوم في مكان هادئ بعيد عن الضجيج وتجلس كيف تشاء بشرط ألا تنام، ثم تشعر بوجودك. تشعر بوجود الحياة الجميلة العظيمة في كل جزء من جسدك، فتتأمل هذه الحياة بكثير من الامتنان وتتابع تنفسك، تتابع الشهيق والزفير، وهو يصل لجسدك كله،, معرِضاً أثناء ذلك عن التفكير في أي موضوع كان,، رافضاً الذهاب مع عقلك إلى الماضي أو المستقبل، زاهداً في كل ما يريد أن يقوله لك هذا الصوت الذي يريد أن يدمر حياتك.

إذا اعتدت على درس التأمل اليومي، فلن تكفيك 15 دقيقة في اليوم، لأنك ستستمتع بعالمك الداخلي أكثر من عالمك الخارجي حال صفائه. عندما تعتاد على إخراس صوت القلق، فلن يكون في حياتك أي مشكلة على الإطلاق.