الفنان لوكاس كرناخ.(أرشيف)
الفنان لوكاس كرناخ.(أرشيف)
الأحد 15 أبريل 2018 / 18:11

النبي ونوّاب النبي

النبي كانت تمسك يده الفتاة الصغيرة وتأخذه أينما شاءت، بينما نوابه يصرخون "أختاه احذري وبالغي في الحذر"، النبي كان يضحك لرؤية فرس سليمان ذي الأجنحة في يد زوجته، بينما نوابه يحطمون الآثار والتماثيل والأصنام

في القرن السادس عشر، أصدر "لوكاس كرناخ" لوحات المسيح الرحيم والمسيح الدجال، وهي لوحات تُظهر حياة المسيح البسيطة في مقابل حياة البذخ لنائب المسيح الذي كان يمثله بابا روما، في أحد هذه اللوحات يظهر المسيح وهو يهرب من اليهود لأنهم طلبوا منه أن يكون ملكهم، في حين أن البابا في الصورة المقابلة يقاتل الناس بالسيف مطالباً بسلطان سياسي على الممالك المسيحية، في لوحة يظهر المسيح متوجاً بالشوك في حين أن البابا يرتدي ثلاثة تيجان مرصعة بالذهب، في صورة يظهر المسيح وهو يغسل أقدام تلامذته، في حين أن البابا يقدم قدمه للمسيحيين لكي يقبلوها ويركعوا أمامها، المسيح كان يسافر على قدميه بينما البابا يُحمل على حمّالة حتى لا تتسخ قدماه الشريفتان.

هذا التفاوت بين النبي وبين من يريدون أن يكونوا ممثلي ذلك النبي يتكرر بطريقة كربونية في الأديان الأخرى، وأحياناً يتحول الصراع على كرسي نائب النبي إلى ساحة من الجدل والدماء والأشلاء، فمن المغفل الذي يريد ترك الجاه والمنصب والوجاهة وربما خُمس الأموال، فكل ذلك لم ينله لا من دراسة جادة ولا من تقديم خدمات للبشرية ولا من علم فلسفي عميق، فالأمر لا يتطلب سوى حفظ بعض النصوص وارتداء بعض العمائم المصممة لذلك، ثم التفنن في تنزيل الأحكام الشرعية على الناس والأحداث حسب المصلحة من خلال فكرة الاستناد إلى السلف الصالح الذي يتكون من سلسلة طويلة متمددة في كل الاتجاهات ومتصلة بالتابعين والصحابة وآل البيت والنبي عليه السلام.

دعونا نعمل مقارنة بسيطة بين النبي عليه السلام وبين من يدعون التوقيع باسمه، بل ويوقعون باسم الله منذ سوّغ لهم من ألّف كتاباً سمّاه (أعلام الموقعين عن رب العالمين)، فمن ناحية الاهتمام بالمظهر كان النبي ص أجمل قومه هيئة، وكان يهتم بمظهره وشعره بما لا يشذ عن أعراف مجتمعه، وكان يحاكيهم في لباسهم وأكلهم وشربهم وهواياتهم، حتى إن زوّاره الذين لم يروه سابقاً لم يكونوا يفرقون بينه وبين أصحابه الجالسين معه، أما نواب النبي فقد أصابتهم التخمة والسمنة وهم يقولون للناس أن المؤمن القوي أحب إلى ربه من المؤمن الضعيف وهيئاتهم أقرب إلى هيئة كفار قريش في فيلم الرسالة، بل وقام بعضهم باستصدار فرمانات تشرعن تميزهم عن بقية الناس بالثياب حتى يُعرف لهم حقهم في المجلس والكلام قبل كل الناس.

النبي كان يضع يده في يد الناس من أجل مصلحة المجتمع كما فعل في حلف الفجار، وحرص على بناء علاقة مواطنة مع اليهود في يثرب من أول يوم حطّت رحاله فيها، بينما نوابه يرفضون مبدأ التعايش الكامل والصادق مع المنافسين المحتملين، فالمهادن منهم يضع قوانينه الخاصة لجعل أصحاب المذاهب الأخرى أقل منه درجة بأي طريقة كانت، والمُكافح منهم يريد أن يغزو روما ويسترد الأندلس، والأممي منهم يريد غزو العالم الذي يتضمن القطبين الشمالي والجنوبي وقارة أنتر كتيكا والمريخ وأقمار المشتري، بالإضافة على حرصهم الشديد على تصنيف كل من يتوهمون أنه يصارعهم على مناطق نفوذهم في مربعات العلمانية والليبرالية والدعشنة والإسلام السياسي.
  
النبي كانت تمسك يده الفتاة الصغيرة وتأخذه أينما شاءت، بينما نوابه يصرخون "أختاه احذري وبالغي في الحذر"، النبي كان يضحك لرؤية فرس سليمان ذي الأجنحة في يد زوجته، بينما نوابه يحطمون الآثار والتماثيل والأصنام وكل ذي نفس وروح وعين وأذن وأنف في العالم بحجة أنها مجسمات مغناطيسية تجذب الناس إلى الشرك.

النبي كان يحترم اختلاف الثقافات والعادات والأذواق ولا يدخلها في الدين، فسمح للأحباش الأفارقة أن يلعبوا ويرقصوا في مسجده، واعتذر عن أكل الضب دون أن يحرمه لأنه لم يستسغ شكله ورائحته، بينما نوابه يعتبرون كل جديد عدواً لهم يقومون بتحريمه مبدئياً من باب سد الذرائع كما صنعو مع التصوير والموسيقى وصعوط القمر، ثم يعملون رسائل الماجستير تؤيد أحكامهم المتهورة، وبعد برهة من الزمن يفعلون ما كانوا ينهون الناس عنه بحجة عموم البلوى، ويعملون رسائل الدكتوراة تبيح ما انغمسوا فيه، كل ذلك بعدما استهلكوا أوقات الناس والورق الأندونيسي وفاقموا من ظاهرة الاحتباس الحراري في أبحاث ورسائل وكتب لا طائل منها سوى الوصول إلى جاهة حرف الدال.

النبي كان يرفض الطبقية في تصنيف الناس وأمر بتزويج الإنسان بناء على أخلاقه وليس قبيلته ولا ماله ولا منصبه، بينما نوابه يفسخون أنكحة قائمة ويهدمون بيوتاً عامرة باسم كفاءة النسب، فصاروا لا يختلفون عن دين البراهمة الطبقي الذي يمنع اختلاط وتزاوج الناس من الطبقات التي هي من صنع المجتمع وليست من صنع الله، فقام نواب النبي بخلط الأعراف الاجتماعية مع الدين فأضروا المجتمع بدل إصلاحه.

النبي كان يرفض التألي على الله وادعاء أنه لن يرحم المخالفين، بينما نوابه يُقسمون الناس إلى أهل جنة وأهل نار وأهل أعراف، ولما فرغوا من توزيع حصص البالغين في جهنم، اتجهوا إلى الأطفال وأخذوا يوزعونهم على الجنة والنار بحسب عقائد آبائهم التي لم يعتنقوها لأنهم كانوا مشغولين باللعب واللهو وتعلم النطق والكلام.

العالِم الحق لا يدعي نيابته للنبي بل يدع التاريخ يحكم إن كانت سيرته محاكية لسيرة النبي ص، هذه الفئة موجودة بيننا لكنها انغمرت في ضجيج الظواهر الصوتية لنواب النبي، فشتان بين النبي ومن ادعى أنه نائب للنبي، وهنيئاً لمن جعل الحكماء والعظماء والعلماء قدوة له دون تحيز.