موقع  الانفجار الذي أودى برئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت.(أرشيف)
موقع الانفجار الذي أودى برئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت.(أرشيف)
الإثنين 16 أبريل 2018 / 19:28

موت السياسة

قانون الإنتخاب النسبي الجديد الذي تتم على أساسه الانتخابات في 6 مايو-أيار هو استطراد لهذا الخلط. الآن تبنى التحالفات على كل شيء عدا السياسة، والجمهور يصوّت لقوائم غير سياسية. لا يهتم الناس كثيراً بالمحكمة الدولية ومقتل رفيق الحريري صار بعيداً، وما يجري ابتداءً من 6 مايو-أيار ليس سوى المزيد من الاختلاط والتشويش وموت السياسة

بمقتل الحريري، بدا أنّ المعركة السياسية في لبنان بلغت الذروة وأنّ الصراع السياسي في أشدّه وأنّ ثمة تيارين في الساحة يمكن تصنيفهما سياسياً، ولكل من المعسكرَين حلفاء في الداخل وفي المحيط العربي وفي المجال الدولي. بدا أنّ السياسة هي خبز المجتمع اللبناني من الآن فصاعداً. الانقسام السياسي حول المقاومة وسوريا وهو انقسام من حيث المبدأ لا طرف فيه من الجهة الأولى سوى الشيعة وحزب الله ومقابلهم بقية اللبنانيين السنة والدروز والمسيحيين، والثلاثة كواهم النظام السوري. يكفي أن نتذكر قصف المناطق المسيحية ومقتلة الضباط العونيين وأن نتذكر مقتل كمال جنبلاط وثالثة الأثافي كما يقال جريمة اغتيال رفيق الحريري.

 بالطبع مرّ أثناء ذلك مقتل بشير الجميل ورينيه معوض وحسن خالد وتلا ذلك سلسلة الاغتيالات التي بدأت بسمير قصير وكلها حصدت مسيحيين باستثناء وليد عيدو. كانت الظروف كلها تهيئ لوقوف اكثرية الجماعات اللبنانية ضد النظام السوري الذي سارع الى الانسحاب، وهذا بالطبع يضاف إلى خصومه ويجعله أضعف. كان حزب الله وحده مع النظام السوري والانسحاب لم يكن ليقوّيه أو يدعم موقفه. لكنّ حزب الله ليس، بقوته العسكرية والتفاف الشيعة حوله، الذي يهرب من المواجهة. كانت السياسة هي التي تفرّق وهي التي تميّز، لكنّ ذلك يحتاج الى معركة سياسية وتمايز سياسي وصلابة سياسية، وكل ذلك غير موفور عند الفريق المعادي للنظام السوري. لذا خاض هذا الفريق معركته الأولى ضد التيار الوطني الحر الذي جعله التحالف الرباعي الذي ضم حزب الله وحيداً. كان هذا التحالف مع حزب الله ونبذ التيار الوطني الحر هما ما جعل السياسة اختلاطاً وتمويهاً. فعقب مقتل الحريري، والظرف متاح كلياً للتمايز السياسي على صعيد اللبناني، كان هذا التحالف الذي قبله حزب الله بذكاء وحنكة، استطاع به أن يستعفي من التواطؤ والاشتباه بمقتل الحريري وترك الطرف السوري المنسحب يتلقى العداء والمسؤولية عنه. هكذا انفقد على المستوى اللبناني أيّ تمايز سياسي. هذا الإنفقاد كان على طريق اختلاط السياسة وبالتالي ضياع الصراع وضياع مبدأ الصراع وعاموده، فالسياسة صارت بذلك جشعاً وخاصة حين تذكر إقصاء التيار الوطني الحر الذي كان، حتى هذه الساعة، شريكاً سياسياً في التصدي للاحتلال السوري الذي عانى منه ما لم يعانه الآخرون، وتصدّر بذلك معسكر الرفض لهذا الاحتلال. كان التحالف الرباعي إقصاء للتيار الوطني الحر قائماً بالدرجة الأولى على الجشع السياسي. أي أن السياسة في هذه الحال تميع وتتشوش حتى تغدو فقط جشعاً. بهذا يبدأ موت السياسة واختلاطها وضياع المبدأ والقضية. إذا وصفنا حزب الله بالذكاء لالتفافه على مقتل الحريري بالتحالف الرباعي، فإننا لا نستطيع ان نصف بالذكاء إقصاء التيار الوطني الحر. الأمر الذي أفضى الى تكوين معسكر 14ومعسكر 8 وضياع السياسة بينهما.

قانون الإنتخاب النسبي الجديد الذي تتم على أساسه الانتخابات في 6 مايو-أيار هو استطراد لهذا الخلط. الآن تبنى التحالفات على كل شيء عدا السياسة، والجمهور يصوّت لقوائم غير سياسية. لا يهتم الناس كثيراً بالمحكمة الدولية ومقتل رفيق الحريري صار بعيداً، وما يجري ابتداءً من 6 مايو(أيار) ليس سوى المزيد من الاختلاط والتشويش وموت السياسة.