أولاد فلسطينيون في غزة.(أرشيف)
أولاد فلسطينيون في غزة.(أرشيف)
الإثنين 16 أبريل 2018 / 19:51

أخبارنا التي نكتبها بالدم ونشتريها بالدولار

في ذروة اشتعال الحدث، يبدو تأسيس وكالة أنباء عربية كبرى حاجة ملحة أكثر مما هو فرصة، وإذا كانت الحكومات غير معنية بهذه الفكرة جراء انهماكها في خلافاتها البينية فإن تحرك رجال الأعمال في هذا السياق يبدو منطقياً

في زمن ما قبل الفضائيات الإخبارية، وحين كان الراديو مصدراً وحيداً للخبر السريع، كان ملايين العرب يحرصون على التقاط الإذاعة الإسرائيلية لمعرفة ما يجري في عواصمهم، لأنهم لم يكونوا يثقون بمصداقية إذاعاتهم المحلية.

في ذلك الزمن كانت الصحف العربية أيضاً تعتمد على ما يصلها من وكالات الأنباء العالمية لملء صفحاتها بالأخبار التي اكتشفنا أنها كانت موجهة بذكاء لإشاعة الإحباط وقتل التفاؤل في الروح العربية. ورغم تطور أدوات الإعلام ووسائله فإن تلك الوكالات التي عمدت إلى تنويع تغطياتها الخبرية لتشمل الصورة والفيديو بعدما كانت محصورة في النص المكتوب، لا تزال ملتزمة بسياسة توجيه الخبر وتوظيفه لخدمة الغرب وإسرائيل. لذا تتجاوز الوكالات الأجنبية قواعد تحرير الخبر بشكل مستفز حين تقدم التبرير المسبق لأي فعل إسرائيلي عدواني، وهناك أخبار كثيرة يجهد المحررون العرب في إعادة صياغتها وتنظيفها وتطهيرها من الرسائل السوداء، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها "ردت إسرائيل على قصف فلسطيني بالصواريخ للبلدات الإسرائيلية في غلاف غزة بغارات شنتها طائرات عسكرية إسرائيلية على مواقع للتنظيمات الفلسطينية في القطاع.....".

وكذلك فإن اللقطات المصورة ومشاهد الفيديو التي تبثها الوكالات الأجنبية تتجنب نقل مشهد الضحية وتسعى إلى تقديم المعتدي باعتباره متضرراً.. وضحية.
رأينا ذلك في غزة والضفة وفي سوريا والعراق، حين كانت الوكالات تتجاهل الضحايا الفلسطينيين والسوريين والعراقيين وتنشغل في تغطية استعدادات المستوطنين للنزول إلى الملاجئ وحنين الجنود الغزاة لمدنهم ورسائل الحب التي يكتبونها لصديقاتهم.

حتى الآن لا بديل عربياً لهذه الوكالات الأجنبية التي تتحكم في مصادر الأخبار في أهم منطقة صانعة للخبر، وهي منطقتنا العربية التي تكتب أخبارها بالدم وتشتريها بالدولار من الخواجات والمستشرقين والمستعربين العاملين في الوكالات الإخبارية الأمريكية والبريطانية والفرنسية.

وحتى الآن ما زالت الدول العربية تعتمد في ترويج أخبارها على وكالاتها المحلية، وهي وكالات محدودة الانتشار تنحصر تغطياتها في الأخبار البرتوكولية، ولا تقدم مادة خاصة صالحة للنشر أو البث في الصحف الكبيرة والقنوات الإخبارية.

ورغم أن دولاً عالمثالثية مثل تركيا لديها وكالة إخبارية فاعلة تقدم خدماتها المباعة للمنابر الإعلامية العربية، فإن العرب ما زالوا مضطرين لاستيراد أخبارهم من الآخرين لافتقارهم إلى وكالة إخبارية عربية كبرى قادرة على تقديم خدمة نوعية ليس للقنوات التلفلزيونية والإذاعات والصحف العربية فقط، ولكن أيضاً للمنابر الإعلامية الدولية المعنية بتغطية الشأن العربي.

مثل هذه الوكالة غائبة وغير مطروحة لا في مداولات وزراء الإعلام العرب ولا في اتحاد الإذاعات العربية رغم الكلام الكثير الذي يقال عن حاجتنا إلى إعلام مهني متطور. لذا تضطر قنواتنا الإخبارية وإذاعاتنا وصحفنا لدفع مبالغ كبيرة مقابل الاشتراك في خدمات رويترز والاسوشييتد برس وفرانس برس وغيرها من الوكالات الأجنبية.

في العام 2011 زرت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية، وكنت في ذلك الوقت رئيساً لتحرير صحيفة يومية عربية، وقد سألني رئيس تحرير التلغراف عن كيفية تغطية صحيفتي للحرب في ليبيا، فأجبته بأننا نعتمد على ما تبثه الوكالات الإخبارية، ليفاجئني بالقول إن لديه مراسلين إثنين في ليبيا وإنه يفكر في تكليف مراسل ثالث بعد أن ينجز عقد التأمين على حياته. ساعتئذ عرفت الفرق بيننا وبينهم. وعدت إلى صحيفتي وأن أشعر بالاحباط واليأس.

الآن، وفي ذروة اشتعال الحدث، يبدو تأسيس وكالة أنباء عربية كبرى حاجة ملحة أكثر مما هو فرصة، وإذا كانت الحكومات غير معنية بهذه الفكرة جراء انهماكها في خلافاتها البينية فإن تحرك رجال الأعمال في هذا السياق يبدو منطقياً.