سوريون في الغوطة الشرقية ينتظرون نقلهم إلى إدلب (أرشيف)
سوريون في الغوطة الشرقية ينتظرون نقلهم إلى إدلب (أرشيف)
الثلاثاء 17 أبريل 2018 / 20:12

محاولة لتدجين اليأس بعد خط الغرب الكيماوي

ما زال بطل الكيماوي رئيساً شرعياً، لكنه ضال في عرف الساسة الغربيين، ويمكن تقويم اعوجاجه بما لا يضر الغرب، ولا يزعج روسيا

لأن الحرب لم تنتهِ في سوريا، فما يجري الآن مجرد نقل لأماكن السيطرة من طرف إلى آخر. ولأن "السيطرات" لا تزال متعددة فمعاناة المدنيين مستمرة إلى حين استقرار المناطق على سيطرة فريق واحد على كامل الأرض، أو تكريس مناطق السيطرة في ما يشبه مناطق النفوذ مستقرة، أو التمهيد لتقسيم ما مستبعد في المدى المنظور بحكم استمرار تناقل السيطرة، وبحكم انتفاء المصلحة في ذلك، على المدى البعيد، من جميع أطراف السيطرات والمتدخلين الغربيين جميعاً.

واليأس الذي يشعر به الفريق المشجع للمعارضات المسلحة هو الوجه الآخر للتفاؤل الذي يستمد منه المؤيدون للنظام عناصر نصرهم، على الرغم من أن قسماً من هؤلاء المتفائلين يدركون أن خيارهم صعب في الاصطفاف وراء النظام، لكنهم يبررون لأنفسهم هذا التفاؤل بعدم وجود بديل مقنع في صفوف المعارضة، بعد أن تراجع كثيرون منهم عن خيار إما "داعش – النصرة"، أو النظام، في السنة الأخيرة.

لكن "السيطرات" أيضاً مصدر تفاؤل نستمد منه استبعاد خيار التقسيم، على الرغم من كلفة الدم الباهظة والمستمرة لهذا الاحتمال، حتى بالنظر إلى أن المساحتين الكبيرتين من سوريا الآن مقسمة بين النظام في مناطق نفوذه في دمشق والساحل وحلب ووسط سوريا، والقوات الكردية في شرق حلب، والجزيرة العليا، وشمال شرق الفرات في ما يلي محافظة ديرالزور.

وفي ما يخص ما تبقى من سيطرة للمعارضة في درعا وبادية تدمر في اتجاه الحدود الدولية مع الأردن، والمثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، فهذه ستظل منطقة سيطرة أمريكية استمهلت فيها واشنطن نفسها الانسحاب منها بعد الضربة العجيبة لمقرات تراها استراتيجية في دمشق وريفها، وحمص.

وتبقى مسألة إدلب هي المعقدة في المدى القريب، بعد أن تجمعت فيها كل الفصائل المعارضة، ابتداءً من النصرة، إلى حركة أحرار الشام، وفيلق الرحمن، وأخيراً جيش الإسلام، فضلاً عن الفصائل المحلية المستوطنة، والتابعة في جزء منها للهوى التركي.

وحتى ما قبل انسحاب فصائل الغوطة، وترحيل عناصرها إلى جرابلس والباب وريف إدلب، كانت محافظة إدلب، وما قد يجري فيها في الأسابيع والشهور المقبلة، لغزاً أمام المحللين والمتابعين، كون المحافظة الصغيرة المساحة استوعبت عدداً كبيراً من المدنيين، ومن مسلحي فصائل سلفية متناحرة يتم تصنيفها بين اليسار واليمين حتى وهي سلفية.

والإثنين، هاجم الجيش السوري الحر، ممثلاً في "قوات الشهيد أحمد العبدو"، مواقع لقوات النظام الأسدي في موقع "المحسا" في القلمون الشرقي، فيما هاجم داعش قوات النظام جنوب تدمر، في بادية العليانية، 60 كيلومتراً جنوب مدينة تدمر، بريف حمص الشرقي، على طريقة التنظيم، حيث تقدمت عناصر داعش عربات مفخخة، تسلل بعدها الانغماسيون إلى مواقع النظام، فقتلوا وجرحوا عدداً من العناصر، واستولوا على أسلحة وذخائر قبل أن ينسحبوا.

وفي هذا تأكيد على المؤكد الذي صرح به وزراء خارجية أوروبيون في لوكسمبورغ من أن الحرب السورية مستمرة في أهوالها، في إشارة للنظام فقط، دون أن يكشفوا مصدر تشاؤمهم السياسي، أو الأخلاقي، بقولهم إن "الضربات، رداً على كيماوي دوما، ليست محاولة لتغيير دفة الحرب في سوريا، أو لتغيير النظام.. ومن غير الممكن لأحد تخيل أن يكون شخص يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه جزءاً من هذا الحل"، على لسان كل من وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، والألماني هايكو ماس.

وتجميع 3.5 ملايين في إدلب يعني الكثير في المرحلة المقبلة، فعدد سكان محافظة إدلب عام 2011 بلغ 1.5 مليون إدلبي، أي أن المحافظة تستضيف مليوني سوري، إذا اعتبرنا أن أحداً من سكان إدلب لم ينزح، أو يلجأ، أو يُعتقل، أو يموت بالرصاص، أو استجابة لنداء الطبيعة.

وهؤلاء جميعاً هم "شعب بشار الأسد"، وفق الوزير الألماني. والعبارة ليست زلة لسان، أو تعبيراً عفوياً، فما زال بطل الكيماوي رئيساً شرعياً، لكنه ضال في عرف الساسة الغربيين، ويمكن تقويم اعوجاجه بما لا يضر الغرب، ولا يزعج روسيا.

أما روسيا فأرسلت عبر رئيسها المنتخب فلاديمير بوتين تطمينات إلى إيران من أن تجدد الضربات الصاروخية على حليفهما في دمشق ستؤدي إلى فوضى في العلاقات الدولية. وهذا كلام ديبلوماسي مسؤول حقاً، كون العبارة تحتمل تفسيرات عديدة ليس من بينها الحرب على ما يبدو، وإلا كان النص أكثر وضوحاً، ومن باب أولى كان على بوتين لو أراد توجيه رسالة تشعل أسعار النفط، ويطمئن لها الروبل الروسي الثابت بقلق مدعوماً بارتفاع أسعار النفط، أن يوجه رسالة مباشرة إلى الغرب المتآمر عليه وعلى حلفائه، وليس بالحديث إلى روحاني، أو بشار الأسد، لتسمعه واشنطن وباريس ولندن.

ولأن مبعث اليأس السوري لم يكن فقط تفرق السوريين، نظاماً وموالاة من جهة، ومعارضة وفصائل ومريدين من جهة أخرى، بل تفرق أوروبا والغرب، أوروبا الخائفة من انقطاع إمدادات الغاز الروسي، وأمريكا المراقبة للفوضى التي تتهندس أمامها بأفضل مما ترغب، فإن إصرار جميع المتدخلين على الاستمرار في الغرق في "أزمتنا"، بمن فيهم أمريكا وروسيا، كل على طريقته، قد يكون المدخل لإنقاذ ما تبقى من سوريا الأرض والناس، فهما، كفاعلتين، ستقتنعان أن الحل الوسط مربح لهما، وعندها ستضحيان بصديقهما بشار الأسد، ليبدأ عصر السياسة في سوريا.