متظاهرون يحملون صور مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني والرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس الراحل حافظ الأسد.(أرشيف)
متظاهرون يحملون صور مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني والرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي والرئيس الراحل حافظ الأسد.(أرشيف)
الأربعاء 18 أبريل 2018 / 10:20

إيران دمرت سوريا لتحقيق هدفها الأكبر

"لماذا تعمد طهران إلى إنفاق مليارات الدولارات لانقاذ نظام الأسد من السقوط ومساعدته على سحق المعارضة رغم الأزمات الاقتصادية الشديدة التي تشهدها إيران؟"، تساؤل طرحه تقرير تحليلي مطول بمجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية في خضم التكهنات بأن الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران باتت وشيكة على الأراضي السورية.

طهران لا تتكبد خسائر مادية فحسب، وإنما تتحمل أيضاً كلفة بشرية وخاصة في لواء فاطميون الذي يفتقر إلى الخبرة العسكرية اللازمة

ويلفت التقرير الذي أعده الباحث الإيراني كريم سادجادبور، الزميل البارز بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أنه على مدار السنوات السبع الماضية قدمت إيران (الدولة الدينية التي تدعي أنها تحكم من منطلق أخلاقي) أكبر دعم مالي وعسكري لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي يمارس القتل الجماعي ضد الشعب السوري. وفي غضون ساعات من الهجوم العسكري الثلاثي للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضد الأسد، تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني في اتصال هاتفي مع الأسد بمواصلة التحالف مع الأخير.

سوريا .. الحلقة الذهبية
ويشير الباحث إلى أنه بينما تعاني إيران من أزمات اقتصادية كبري، فإن طهران لا تزال تنفق مليارات الدولارات على تسليح وتدريب عشرات الآلاف من المقاتلين العرب والأفغان والباكستانيين الشيعة؛ من أجل مساعدة نظام الأسد على دحر معارضيه. ورغم أن طهران ذاتها تعرضت قبل ثلاثة عقود لهجمات شنيعة بالأسلحة الكيماوية من قبل الرئيس العراقي صدام حسين، فإنها قدمت للأسد الوسائل اللازمة لاستخدام الأسلحة نفسها ضد شعبه، وفي الوقت نفسه تتعمد إنكار استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية.

ويرى الباحث أن المصالح الجيوسياسية والمالية للدولة الإيرانية ليست السبب الجوهري الذي يدفع إيران إلى الالتزام بدعم الأسد، ولا حتى القناعات الدينية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإنما الدافع الحقيقي هو العداء والكراهية العميقة لدولة إسرائيل. وبحسب مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية، على أكبر ولايتي، فإن سوريا هي الحلقة الذهبية في سلسلة المقاومة ضد إسرائيل من قبل إيران وسوريا وحزب الله والحكومة العراقية الجديدة وحماس.

إيديولوجية الثورة الإيرانية
ويعتقد الباحث أنه طالما بقي المرشد الأعلى الإيراني، آيه الله خامنئي البالغ من العمر 78 عاماً، في السلطة فإن هذه الكراهية قد تبرر التزام طهران المستمر لاستخدام العنف والمال لدعم كل الوسائل الضرورية التي يلجأ إليها الأسد (بما في ذلك الأسلحة الكيماوية) للحفاظ على حكمه. وحتى مع أن إسرائيل ليس لها تأثير مباشر على الحياة اليومية للإيرانيين، فإن مفهوم معارضة الدولة الإسرائيلية يُعد الركيزة الأكثر استدامة في إيديولوجية الثورة الإيرانية، الأمر الذي ينعكس بشكل واضح في تأكيدات خامنئي في غالبية خطاباته (حتى لو كانت حول الزراعة أو التعليم) على أن النظام الصهيوني ورم سرطاني حقيقي يجب استئصاله من المنطقة، فضلاً عن التعهد بمساعدة أي دولة أو أي جماعات تقاتل ضد النظام الصهيوني في جميع أنحاء العالم.
  
ويرى تقرير "ذا أتلانتك" أن طهران ساعدت الأسد على ارتكاب جرائم أكبر بكثير من الفظائع التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين؛ حيث يتجاوز عدد وفيات السوريين منذ عام 2011 خمسة أضعاف الفلسطينيين الذين قتلوا في السبعين عاماً الأخيرة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي (قرابة نصف مليون سوري مقابل تسعين ألف فلسطيني)، كما تم تشريد أكثر من 12 مليون سوري وهو ضعف عدد الفلسطينيين الذين تم تشريدهم.

تناقض نظام الأسد وإيران
ويلفت الباحث إلى التناقض الصارخ بين نظام الأسد وإيران. فبينما تقمع الأخيرة بشراسة الإيرانيين المؤيدين للعلمانية فإن الأسد يتمسك بعلمانية سوريا، وتتعرض النساء الإيرانيات اللواتي يتحدين حجاب ملالي طهران الإلزامي إلى العنف والسجن. وفي المقابل، يحتفل مقاتلو حزب الله بالانتصارات العسكرية في النوادي الليلية بدمشق، كما تستخدم قوات الأسد عمداً الاغتصاب كأداة لقمع المعارضة، وفي الوقت نفسه يناشد خامنئي رعاياه لشراء المنتجات الإيرانية لتعزيز الاكتفاء الذاتي اقتصادياً، وفي المقابل يساعد سخاء طهران في تلبية شغف زوجة بشار الأسد (أسماء) بالتسوق في لندن.

ومنذ بداية الاحتجاجات ضد نظام الأسد في عام 2011، دأب كل من الأسد وإيران على سحق المعارضة المعتدلة وإطلاق العنان للإسلاميين الراديكاليين بهدف خلق مشهد خاسر للغرب مفاده أنه إما الأسد وإما التطرف. بيد أن طهران حاولت تجسيد دورها في سوريا باعتباره معركة وجودية لإيران ضد قوى التطرف السني، لدرجة أن مهدي طيب، رئيس جناح الاستخبارات في الحرس الثوري والمستشار المقرب للزعيم الإيراني خامنئي صرح قائلاً: "إذا خسرنا سوريا لن نتمكن من الاحتفاظ بطهران".

محور طهران – دمشق
ويعتبر الباحث أن انهيار نظام الأسد سيكون بلا شك ضربة إستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن لطالما كانت إيران قومية منذ ما يقارب 2500 عام دون أن تكون لها مصلحة في تبعية الدولة السورية لها. كما تفوقت روسيا على الاتحاد السوفيتي سابقاً، فإن إيران بإمكانها التفوق على الجمهورية الإسلامية لنظام الملالي.

ويصف التقرير محور "طهران – دمشق" بأنه بات مثل علاقة غرامية قائمة على الاستغلال؛ حيث ترى طهران في سوريا معبراً إلى حزب الله، وفي المقابل يتمتع نظام الأسد بالأموال الإيرانية، ومن أجل ذلك تنازل عن سيادته لطهران. وبحسب رئيس الوزراء السابق رياض حجاب "باتت سوريا محتلة من إيران ويدير البلاد قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني وليس بشار الأسد". ولكن المبالغ الطائلة التي يهدرها نظام الملالي لدعم الأسد أسفرت عن تزايد إحباط الشعب الإيراني وتدهور الأوضاع الاقتصادية في الداخل، الأمر الذي أدى إلى اندلاع الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإيرانية في يناير (كانون الثاني) الماضي.

نهج ظريف لترويج الأكاذيب
ويلفت الباحث إلى أن طهران لا تتكبد خسائر مادية فحسب، وإنما تتحمل أيضاً كلفة بشرية وخاصة في لواء فاطميون (يتألف من اللبنانيين والأفغان والعراقيين والباكستانيين) الذي يفتقر إلى الخبرة العسكرية اللازمة. أما وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف فتقع على عاتقه مهمة الدفاع عن التدخل الإيراني في سوريا وتحسين صورة إيران أمام الغرب؛ وبخاصة لأنه تلقى تعليمه في الولايات المتحدة ولديه مهارات فائقة في ترويج الأكاذيب الجريئة بإقناع هائل، على حد وصف الباحث. فعلى سبيل المثال بعد فترة وجيزة من إصرار ظريف على عدم وجود قوات برية إيرانية في سوريا، أعلن الحرس الثوري الإيراني عن خسائر بلغت ألف قتيل في سوريا.
  
وفي أعقاب أي هجوم بالأسلحة الكيماوية من قبل الأسد، يعمد ظريف إلى إنكار التهمة عن الأخير من خلال اتباع قواعد اللعبة القائمة على التذكير بأن صدام حسين مدعوماً من القوى الغربية استخدم الأسلحة الكيماوية ضد إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980 – 1988) ويعني ذلك أن الأطفال السوريين ليسوا الضحايا ولا تزال إيران هي الضحية الحقيقية، وفي الوقت نفسه يعلن إدانة استخدام الاسلحة الكيماوية من قبل أي شخص، ومن ثم يعترف الغرب بإنسانيته. وحينما يتم الضغط على ظريف، فإنه يزعم على الدوام بأن المعارضة السورية المدعومة من أمريكا وإسرائيل هي التي استخدمت الأسلحة الكيماوية وليس الأسد.

لا تغيير لحسابات إيران
ويخلص التقرير إلى أنه بعد سبع سنوات من الحرب السورية ومليارات الدولارات التي أنفقت ووجود الشريك الروسي الحازم ورغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانسحاب من المنطقة، فإن طهران تشعر أن تدخلها في سوريا كان مبرراً، وتزعم أنها تقوم بإنشاء قواعد عسكرية دائمة خارج دمشق فيها طائرات من دون طيار قادرة على الوصول إلى إسرائيل.

ويضيف التقرير أنه من غير المحتمل أن تقود الضربات العسكرية الأمريكية المحدودة ضد مستودعات أسلحة الأسد إلى تغيير حسابات إيران أو إعادة تقييم دعمها لنظام الأسد. ويتذكر الإيرانيون اليوم استخدام صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضدهم منذ أكثر من ثلاثة عقود، فسوف يأتي اليوم الذي يتذكر فيه السوريون ذكريات مماثلة عن التواطؤ الإيراني.

وفي ختام التقرير يطرح الباحث التساؤل التالي على المرشد الأعلى الإيراني: "هل حقق أي شيء قامت به إيران في سوريا (المذابح والدمار) أو أي مكان آخر هدفها في تدمير إسرائيل وتحرير فلسطين؟"، ويرصد الباحث أن خامنئي بدأ يفكر في هذا التساؤل في الأونة الأخيرة؛ حيث يقول إن "جسد العالم الإسلامي اليوم مصاب بجروح بالغة؛ إذ نجح أعداء الإسلام في تحييد العالم الإسلامي من خلال شن الحروب والخلافات وإعطاء العدو الفرصة لكي ينعم بالأمن في المنطقة، ويزدهر النظام الصهيوني في غرب آسيا ويجد ملاذاً آمنا، بينما يحارب المسلمون ضد بعضهم البعض".