الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان (أرشيف)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان (أرشيف)
الأربعاء 18 أبريل 2018 / 20:20

بين رسالتي أوربان وماكرون

لم تحضر هنغاريا، 10 ملايين نسمة كثيراً في التداول السياسي والثقافي العربي. تلامذة التاريخ الأوروبي وتاريخ الإمبراطوريات يعرفون أن إمبراطوريّة آل هابسبورغ كانت هنغارية، مجرية نمساوية.

ما بين الماضي الإمبراطوريّ البعيد نسبيّاً وانهياره، والماضي السوفياتيّ وتوتاليتاريّته الأقرب عهداً، تأسّست علاقة مضطربة ومهتزّة بين هنغاريا والليبراليّة

اسمها يحضر مرة ثانية كبلد من بلدان المعسكر السوفياتيّ الاشتراكيّ، وعضو في "حلف وارسو" لما بعد الحرب العالميّة الثانية.

ثم يحضر بوصفه بلد الانتفاضة الشهيرة التي شهدها العام 1956 على هذا المعسكر، التي سحقتها موسكو وحليفاتها الصغيرات بالدبابات. كذلك عادت هنغاريا، مثلها مثل باقي بلدان المعسكر السوفياتي، لتنتفض وتستقل وتبني ديمقراطيتها في مناخ ما بعد الحرب الباردة وانهيار النظام الشيوعي في مركزه الروسي.

في هذه الغضون، لم يغب عن التاريخ الهنغاري الحديث ذاك التعامل القاسي والتمييزي حيال الغجر، وهم أكبر الأقليات هناك، 3 إلى 4 في المئة، المقيمين في شمال البلد الشرقي. لكن مع انفجار اللجوء السوري إلى أوروبا، وقفت هنغاريا في مقدمة الدول البالغة التشدّد والغنية بردود أفعالها الشوفينية والعنصرية.

ما بين الماضي الإمبراطوري البعيد نسبياً وانهياره، والماضي السوفياتي وتوتاليتاريته الأقرب عهداً، تأسست علاقة مضطربة ومهتزة بين هنغاريا والليبرالية. الديمقراطية تراجعت بالتدريج إلى مجرد إجراء انتخابي تقني.

التعامل مع الغجر ما لبث أن تحول إلى تمرين أولي على التعاطي اللاحق مع اللاجئين السوريين.

في هذا النطاق كان توّل "حزب فيديش"، تحالف الديمقراطيين الشبان، من حزب ليبرالي مناهض للسلطوية، تأسس في 1988، في آخر أيام الإمبراطورية السوفياتية، إلى حزب شعبوي سلطوي علامة فارقة ومعبرة عن المسار الوطني.

قبل أسبوع، عادت هنغاريا إلى صدارة الحدث بوصفها البلد الذي يجدد لحزب "فيديش" في السلطة، جاعلاً زعيمه الشعبوي
فيكتور أوربان رئيس الحكومة للمرة الثالثة.

الحزب حصد ثلثي المقاعد البرلمانيّة وسط نسبة تصويت لم تتجاوز نصف المقترعين. صحيح أن معارضة واسعة، يطغى عليها العنصر المديني الشاب، انفجرت في وجهه، وأنها تتهم الحزب الحاكم باعتماد قانون انتخابيّ يسهل له الفوز، وبمحاصرة الإعلام الحر وتدجينه، بل بالتزوير المباشر في حسبة أصوات المقترعين. لكن الصحيح أيضاً أن أوربان وحزبه فازا مجدداً ببرنامج يجمع بين مناهضة الاتحاد الأوروبي ومعاداة الهجرة واللجوء، بحجة أن أوروبا "تتعرض للغزو" الإسلامي، كما قال أحد شعاراتهم. هذا ما يرسخ في آخر المطاف.

مقابل هذه الرسالة الهنغارية اليسئة للغاية، طلع على أوروبا وعلى العالم رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، برسالة مضادة: فقد تحدّث عن حرب أهلية أوروبية بين الليبراليين وخصوم الليبرالية، وعن ضرورة التعلم من الماضي وحروبه التي تسببت بها القوميات والشعبويات على أنواعها.

في أغلب الظن كانت نتائج الانتخابات الهنغارية ماثلة في ذهن الرئيس الفرنسي، خصوصاً أنها جاءت مسبوقة بانتخابات إيطاليا، وقبلها انتخابات النمسا، وكلها تصب في الوجهة الخطيرة إياها. وهذا معطوف على أن مارين لوبن زعيمة "الجبهة الوطنية" العنصرية كانت من نافس ماكرون على رئاسة فرنسا.

فإذا أضفنا نماذج دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، وفلاديمير بوتين في روسيا، وشي جين بينغ في الصين، أمكن التأكد فعلاً من أن الاتحاد الأوروبي هو اليوم الملاذ الديمقراطي والليبرالي في العالم. لكن الملاذ كي يكون كذلك، مدعو إلى تجاوز محنته الراهنة، كما تتمثل في صعود الشعبوية القومية وأحزابها.

فأيّ الرسالتين سوف تتسلمها أوروبا، إن لم يكن اليوم فبعد عامين أو ثلاثة، الفرنسية أم الهنغارية؟ قد يكون هذا السؤال أحد أهم أسئلة زمننا المعاصر.