الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أرشيف)
الخميس 19 أبريل 2018 / 20:22

حول تجديد البيعة

في العام 2005، العام الذي تلى رحيل ياسر عرفات، أول رئيس فلسطيني منتخب، توجه الفلسطينيون لصناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية ثانية، شملت مناطق السلطة الوطنية، قطاع غزة والضفة الغربية.

ثمة إصرار غريب على تكرار تجارب فقدت دلالالتها وفقدت عبر تحولات طويلة قدرتها على التأثير، فبدت مثل عملية إخراج أرشيف باهت ومغبر من القبو وتفكيكه وتعليق مقتنياته في الشوارع ومفارق الطرق

تمتعت عملية الانتخاب بنزاهة مقبولة، تكاد تكون غير مسبوقة في المحيط العربي، وجرت تحت رقابة دولية ومحلية، حيث شكلت تمريناً شعبيا متقدما على بناء علاقة سليمة بين حملات الترشح وطرح البرامج والبحث عن حاجات الناس ومطالبهم ومعيشتهم، والمواءمة بين الخطاب السياسي والمطالب الحياتية.

لم تجر عمليات تزوير أو إجبار أو تجيير أصوات أو سرقة صناديق، لم يكن هناك خروقات جدية يمكن أن تطيح بالعملية او تؤثر بشكل فعلي بالنتائج.

هكذا انتخب الفلسطينيون في غزة والضفة محمود عباس الذي حصل على ما يقارب الـ 62% من الأصوات.

كل هذا يمكن أن يتبادر إلى ذهن من يشاهد تسونامي اللافتات والاعلانات التي انتشرت في شوارع وساحات وواجهات البنايات وفوق الأرصفة في المدن الفلسطينية التي تتحدث عن "تجديد البيعة" للرئيس محمود عباس بعد 13 سنة من انتخابه.

هناك لافتة علقت على الرصيف المواجه لمكتبه في المقاطعة بتوقيع شركة مقاولات.

في تلك الصبيحة من يناير( كانون الأول) من العام 2005 ذهب الفلسطينيون لانتخاب رئيس لا لـ"مبايعته"، 38% منهم وضعوا في الصناديق أوراقاً تحمل أسماء منافسيه، واختاروا برامج يكاد بعضها يتناقض مع برنامجه، وهي نسبة كبيرة ولكنها تحققت في منافسة توفر فيها شيء كثير من العدالة.

ظهور مثل هذه الحملة ولافتاتها المحملة بمصطلح "البيعة" هو عملية تفكيك لتلك التجربة، ومحاولة للالتفاف على وعي الناس وخبرتهم.

وما يحتاجه الفلسطينيون هو "تجديد" تجربة الانتخابات التي مضى عليها 13 عاماً للرئاسية التي دفعت فيها "فتح" "أبو مازن" للرئاسة، حيث واصل برنامجه التفاوضي المتعثر حتى مواجهته الأخيرة مع إدارة "ترامب" إثر اعلان الأخير نقل السفارة الأمريكية للقدس، وما أطلق عليه "صفقة العصر".

لعل فكرة "تجديد البيعة" قادمة من الحذر من مترتبات قد تنشأ عن هذه المواجهة، وهو افتراض لا يتمتع بالحصافة، فليس ثمة خطر شعبي على الاطلاق، لقد اقترب الرجل في موقفه الأخير من "المفاوضات والاحتلال والإدارة الأمريكية" والمقاومة السلمية من موقف الـ 62% الذين منحوه أصواتهم في 2005، وبعد أن تجاوزت في الاستطلاعات، نسبة غير الراضين عن أدائه الـ 60%.

في الجانب الآخر يكاد ينقضي العام 12 على انتخاب أعضاء المجلس التشريعي "البرلمان"، الذي حصلت "حماس" على أغلبيته، وما زالت تعتبره قائماً ويمكن استثماره في تعزيز الانقسام وتمرير أفكارها وحملاتها وقوانينها.

وهي، حماس، تواصل من جهتها "تجديد البيعة" لكتلتها البرلمانية، وتستمد من "شرعيتها المتجددة" شرعية انقلابها، بحيث تحولت أغلبية "الاخوان المسلمين" في المجلس إلى مهمة رئيسية وحيدة، هي حراسة الانقلاب.

ثمة إصرار غريب على تكرار تجارب فقدت دلالالتها وفقدت عبر تحولات طويلة قدرتها على التأثير، فبدت مثل عملية إخراج أرشيف باهت ومغبر من القبو وتفكيكه وتعليق مقتنياته في الشوارع ومفارق الطرق وأمام المدارس، وداخل اسوارها في أحيان كثيرة.

لعل الأثر الوحيد الذي تتركه هو رضى أصحابها عنها، أو عن أنفسهم.