الأحد 22 أبريل 2018 / 08:54

الإمارات دولة نووية سلمية

محمد خليفة- الخليج

ترتبط عملية التنمية المستدامة في أية دولة بامتلاك قيادات واعية تملك رؤية للمستقبل القريب والبعيد معاً، هذه القيادة هي التي تلهم الشباب لبناء مستقبل واعد، مستغلين ما تتمتع به دولتهم من هبات وطاقات من أجل الدفع بجميع القطاعات قدماً نحو الأمام.

وتعتبر الطاقة هي المحرك الرئيسي للمجتمعات البشرية، حيث لا يمكن الاستغناء مطلقاً عنها، وخاصة الكهرباء التي دخلت جميع مفاصل الحياة، ويمثل توفير الطاقة تحدياً كبيراً أمام الكثير من الدول التي لا تملك الثروات الباطنية، ولا المال الكافي لامتلاك طاقة تكفيها.

وقد حبا الله هذه الأرض الطيبة خيرات كثيرة من مصادر الطاقة: النفط والغاز والطاقة الشمسية، والتي تم استغلالها بعناية من أجل بناء الدولة ببنيتها التحتية ومرافقها المختلفة، ومنها قطاع الكهرباء الذي شهد توسعاً هائلاً، وبات يستهلك طاقات كثيرة من النفط والغاز، الذي يمكن تصديره إلى الخارج والاستفادة من النقد الأجنبي الذي يوفره في دعم مسيرة التنمية.

ولذلك سعت الحكومة الرشيدة إلى امتلاك الطاقة النووية، بوصفها أحد المصادر الرئيسية لتوليد طاقة نظيفة ورخيصة ودائمة. وفي إبريل(نيسان) عام 2008، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن وثيقة تشمل "سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة المتبعة لتقييم وإمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية في الدولة". وركزت السياسة على ست نقاط رئيسة هي: الشفافية التشغيلية التامة، وأعلى معايير حظر الانتشار النووي، وترسيخ أعلى معايير السلامة والأمن، والتنسيق المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والالتزام بمعاييرها، وعمل شراكات مع حكومات الدول المسؤولة والمؤسسات ذات الخبرة المناسبة، وضمان استدامة الطاقة النووية على المدى البعيد.

ومن أهم الركائز التي تستند إليها هذه السياسة: تطوير البرنامج مع وضع السلامة وحظر الانتشار النووي في أهم الأولويات، والأهم من ذلك الامتناع عن التخصيب المحلي لليورانيوم، أو إعادة معالجة الوقود النووي. وفي شهر ديسمبر(كانون الأول) 2009، وقّعت الإمارات اتفاقاً مع كوريا الجنوبية يتضمن قيام تحالف يضم عدة شركات كورية، ببناء أربع محطات للطاقة النووية السلميَّة في الإمارات، بقيمة 75 مليار درهم (نحو 20 مليار دولار). وتم تأسيس مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، بموجب مرسوم أصدره رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ومن ثم أعلنت هذه المؤسسة البدء بتأسيس شركة نواة للطاقة، والمملوكة لها بالكامل، والتي ستتولى مسؤولية تشغيل محطات الطاقة النووية الأربع في براكة، بالمنطقة الغربية لإمارة أبوظبي، وفقاً لأعلى معايير الجودة والسلامة والأمان، وبما ينسجم مع التزام الدولة باعتماد مبدأ الشفافية في عملياتها التشغيلية.

وقد بدأت الأعمال الإنشائية في المحطة الأولى في شهر يوليو 2012، وذلك بعد استلام رخصة الإنشاء من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، وشهادة عدم الممانعة من هيئة البيئة في أبوظبي. وفي 26 مارس 2018، أعلنت الإمارات اكتمال الأعمال الإنشائية في واحد من مفاعلاتها النووية الأربعة ضمن مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية. وشهد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس جمهورية كوريا الجنوبية الصديقة مون جي إن، الاحتفالية التي أقيمت بهذه المناسبة، وقال  الشيخ محمد بن زايد: "إن اكتمال الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى يُعد إنجازاً تاريخياً لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويسهم في ترسيخ مكانتها على الخريطة الدولية"، وأوضح أن: "البرنامج النووي السلمي الإماراتي يحظى بمكانة استراتيجية، ويلعب دوراً مهماً وحيوياً في دعم نمو الدولة عبر تعزيز أمن الطاقة وتنويع الاقتصاد"، وقال:"اليوم هو يوم تاريخي لقطاع الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونحن نمضي قدماً في إنجاز أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في الدولة". وأكد أن الإمارات تواصل ريادتها عبر الاستثمار في مشاريع التنمية المستدامة، و"تبرهن يوماً بعد آخر أن الآمال والطموحات مهما كبرت وتباعدت وصعبت، فليس من المستحيل تحقيقها".

مما لا شك فيه أن دخول الإمارات إلى النادي النووي، يؤكد مكانتها والثقة التي تحظى بها لدى الدول المؤثرة في القرار الدولي، فالطاقة النووية ليست كأية طاقة أخرى، بل هي ذات حدّين، أحدهما سلمي يخدم التطور الحضاري البشري، وآخر عسكري تدميري. وثمة عوائق كثيرة توضع أمام الدول الراغبة في امتلاك برامج ذرية، نظراً للخطورة التي تكتنف ذلك المجال، والخوف من أن تستغل بعض الدول برامجها الذرية لتصنيع سلاح نووي. لكن دولة الإمارات التي سارت منذ قيامها على قيم الصدق والوفاء، وعملت بشكل مستمر، على دعم مساعي السلام، هي أهل لتلك الثقة التي أولاها لها المجتمع الدولي، وهي ستبرهن دائماً، قيادة وشعباً، أنها قدوة في التسامح والحب والحفاظ على المواثيق والعهود.