الرئيس الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الرئيس الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الأحد 22 أبريل 2018 / 11:06

إيران: طوفانٌ داخليٌ قادم.. تعجيلهُ لازم

وائل مرزا - المدينة السعودية

نهاية الشهر الماضي، شهدت دوائر الحكومة الإيرانية حدثاً يصب في اتجاه تأكيد المقولة الواردة في عنوان المقال.. فخلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حصلت مشادةٌ عنيفة بين الرئيس، حسن روحاني، وأمين المجلس، على شمخاني، وهو في نفس الوقت ممثل الولي الفقيه فيه.

 كان موضوع البحث يتعلق بمناقشة تداعيات وملابسات تعيين جون بولتون، وقتها، مستشاراً لشؤون الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب.. وكالعادة للأسف، لم ينل الحدث المذكور حظه المطلوب من الذكر والتعليق في الإعلام العربي، بعكس التركيز المبالغ فيه، في هذا الإعلام نفسه، على ترداد التصريحات والمواقف العنترية التي تصدر عن أركان النظام الإيراني!

حصل هذا رغم أن دلالاته تُعتبر في غاية الحساسية، ولو لجهة ما تسرّب على الأقل من تفاصيل عنه، تُظهر، غالباً، أن وراءه صراعاً داخلياً أكبر بكثير.

من تلك التفاصيل أن شمخاني انتقد بقوة، خلال الاجتماع، الاتفاق النووي الإيراني المعروف مع القوى الدولية، ونقل بكل صراحة أن المرشد الأعلى يوصي بأن تسبق إيران الإدارة الأمريكية وتنسحب منه في أقرب وقتٍ ممكن.. في هذا الإطار، خاطب الرجل الرئيس روحاني، بدرجةٍ من الاستصغار والسخرية قائلاً إن "تعيين جون بولتون كان مفاجئاً لكم، لكن لم يكن مفاجئاً لنا.. لهذا، يجب أن نتخلص من عار الاتفاق النووي قبل انسحاب ترامب منه". مع تأكيد أن المرشد، علي خامنئي، يعتقد بضرورة تفويض الحرس الثوري بإدارة مثل هذه المواضيع الحساسة، وليس أي جهةٍ أخرى.

ما من شيءٍ، في عالم السياسة، يمكن أن يوضح وجود دولتين، متنافستين، داخل الدولة مثلما يُبيّنُ هذا الحدث.. فالأمر ليس مسألة رأيٍ آخر، أو مجرد قضيةٍ للحوار وتبادل وجهات النظر.. خاصةً مع تكرار مثل هذه المواجهات السياسية بشكلٍ كثيف، في الأشهر الأخيرة تحديداً..

حيث يبدو واضحاً أن الحرس الثوري، الذي يسيطر على غالبية اقتصاد إيران، وجزءٍ كبير من قرارها السياسي، وجدَ التطورات الأخيرة فرصةً للهيمنة الكاملة على جميع القرارات الاقتصادية والسياسية.. علماً أنه كان أكبر المستفيدين من العقوبات قبل الاتفاق النووي، من خلال هيمنته المافيوية الاحتكارية على مفاصل الاقتصاد الإيراني.

أثارت تصريحات شمخاني غضب الرئيس روحاني الذي رد عليه، أيضاً بسخرية، قائلاً: "ماذا نتوقع من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي حين يلبس زي الشرطة خلال لقائه بوزير الخارجية الفرنسي؟". جاء هذا في إشارة إلى قلة المعرفة السياسية، وافتقاد المِهَنية الدبلوماسية لدى شمخاني من خلال ذلك الموقف خلال لقاء الأخير مع الوزير الفرنسي. إذ كان شمخاني يلبس فيه زياً عسكرياً، بِهدفِ استعراض القوة، خاصةً مع موقفه خلال الاجتماع برفض مقترح باريس حول برنامج إيران الصاروخي، ورفضه لملاحظات الوزير فيما يتعلق بممارساتها الإقليمية، وذلك في محاولة من الوزير لتفادي انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

لا يقف الخلاف بين أركان النظام الإيراني عند هذه النقطة، وإنما يمتد أيضاً إلى مجالات أخرى.. فمنذ أسابيع قليلة، صرح حسن رحيم بور أزغدي، أحد قادة الجناح المحافظ والمقرب من مكتب المرشد، أن اعتذار خامنئي للشعب الإيراني قبل ذلك بشهرين عن سوء إدارة البلاد يُعتبر دليلاً على ضرورة إقالة المسؤولين الفاسدين، وأولئك الذين يفتقدون للكفاءة.. وثمة إجماعٌ بأن المقصود بمثل هذه التصريحات، التي تتكرر بين حين وآخر، هو حكومة الرئيس روحاني.

قد يكون الإعلام العربي مُقصراً في متابعة مثل هذه الأحداث، وفي تبيان دلالاتها السياسية الخطيرة، فنحن لم نسمع مثلاً عن المظاهرات التي جرت في مدينة كازرون، يوم الجمعة مع كتابة هذا المقال، لليوم السادس على التوالي. ولم نسمع بعشرات الأخبار والمعلومات التي توضح حقيقة الاهتراء الاقتصادي والانقسام السياسي في إيران.. في حين نقرأ على صدر صفحات الجرائد العربية الكبرى، كما جرى من يومين مثلاً، تصريحات الجنرال حسين سلامي، نائب قائد الحرس الثوري، التي تهدد وتتوعد كل دول المنطقة، مع إسرائيل وأمريكا، بالويل والثبور وعظائم الأمور. يكفي مثلاً أن يَرد في تصريحه ضد إسرائيل قوله: "في حال اندلاع حرب، كونوا على يقين بأنها ستؤدي إلى محوكم.. أنتم تشكلون هدفاً ضئيلاً جداً، لا هدف أصغر منكم"!

هذا نوع من الحرب النفسية لا ينبغي الوقوع في فخه.. وإذا كان الإعلام العربي غافلاً عن تلك الأحداث، ويتعامل باستسهال مع ما تنقله وكالات الأنباء فقط، فإن المأمول أن يكون أصحاب القرار الفعلي أكثر علماً بمجريات الأمور ودقائقها، والأمل أكبر بأنّ ثمة سياسات يجري رسمها بهدوء ودقة للخلاص من رأس الأفعى التي تقف وراء الغالبية العظمى من مشاكل المنطقة بشكلٍ مباشر، وتُحرك بقيتها بشكلٍ غير مباشر