دمار جراء الحرب في سوريا (أرشيف)
دمار جراء الحرب في سوريا (أرشيف)
الإثنين 23 أبريل 2018 / 10:55

مستقبل سوريا!

أسامة سرايا - الأهرام

ما حدث، ويحدث في سوريا، رغم خطورته ومأساويته المفرطة، لا يحظى بالاهتمام الواجب، ولا يهتز له الضمير الإنساني. وقد أعادت الضربة العسكرية الثلاثية الأمريكية، والإنجليزية، والفرنسية، التي وقعت أخيراً بعض الاهتمام، وشغلت جزءاً من اهتمام الرأي العام في أوروبا وأمريكا!

"يجب أن تكون هناك حاضنة عربية للسوريين، ويعلو الجميع عن الخلاف، ويلتفون لحماية سوريا، وكل السوريين"

وأثار استهجاني محاولة ربطها بالعدوان الثلاثي 1956 على مصر، كأن ما يحدث في سوريا يومياً لا ينخلع له كل قلب إنسان!

إن بلداً تم تشريد نصف سكانه، وقتل منه ما يفوق نصف مليون، وأصبح كل مواطنيه، إما قتيلاً أو مشرداً في بلاده، أو مهاجراً في كل أنحاء العالم، ومازال الضمير العالمي نائماً، ولم ينتفض بعد، وقد تم تخريب البلاد مدينة تلو أخرى، لا فرق بين مدينة حديثة أو قديمة، كله في التدمير سواء!! ولا يزال كثير من الناس يتكلمون عن النصر، ومازال البعض منهم يقول إنه لا يهم الحجر، سنعيد بناءه، وكأنما يقول لا يهم الإنسان، سيولد من جديد!. إذن ما الذي يهم؟ لا حجر يهم، ولا مدينة لا تهم، ولا إنسان لا يهم! وطبعاً.. كل هذا يشجع على استمرار الحرب والهدم وموت الإنسان السوري، وتكريس هزيمته، لأن لا شيء يهم. وسبق أن حدث شيء قريب من هذا في لبنان 2006، عندما احتفلوا بنصرٍ لحزب الله على إسرائيل بعد تدمير لبنان! وهكذا تدور الأيام في عالمنا العربي. إنه الغياب العربي الكامل والتام عما يحدث في سوريا.

لم نهتز عندما وجدنا التركي والإيراني والروسي والأمريكي والإسرائيلي يجتمعون لرسم خريطة سوريا بتشريد أهلها، وتكريس تقسيمها لدوائر ومناطق نفوذ، ولم نهتز حين تجري اجتماعات جماعية أو ثنائية، لا يمثل فيها السوريون أو حتى نظامهم إلا تمثيلاً رمزياً، لكي يظهروا مختلفين متصارعين، لا كلمه لهم. فمن يسمع إذن؟

إنها حالة عبثية عدمية يستخدمها الجميع لقتل السوريين، وتدمير سوريا. ونسي العالم بكل قواه العظمى أن هناك ضميراً سيتكلم، ولن يخفي شيئاً. لقد فجروا ينابيع الغضب الطائفي المخيفة والقاتلة للجميع في سوريا، حتى تسيطر طائفة على أخرى، وتستمر في القتل والإبادة إلى ما لا نهاية.

إن الضربة الغربية الأمريكية، والفرنسية، والإنجليزية التي استقبلتها روسيا، عملياً، بالترحيب أو الموافقة، وكلامياً، بالنقد أو الرفض، هي رسالة من العالم الأطلسي إلى اللاعبين في سوريا، تؤكد أنه لن يترك سوريا، الفريسة المذبوحة، لهم وحدهم، وإنما سيكون شريكاً معهم، ويجب أن يعملوا له حساباً، يعني أنه شريك في الأرض، والحسبة.

ولكن، ما يحدث في سوريا لم تتضح معالمه بعد، وهل هو تجارب للسلاح بين الشرق والغرب، أم صراع للنفوذ؟ أو هل هو معرفة وتحديد لمناطق القوة، أم هو مشاريع للقوى العالمية، تحديداً الأمريكية والروسية، لتحقيق مصالح ونفوذ على الأرض؟

فروسيا ترى في سوريا قناة مهمة للوصول إلى المتوسط، وكذلك للطاقة، بعد أن حصلت على امتيازها بالكامل، كما ترى أن سوريا بمثابة تخليص حق من الغرب، وسوف يضطر الغرب إلى تقاسم نفوذه معها، كما أن تركيا رمت بكل ثقلها، ليس لمجرد تحجيم الطموحات الكردية، ولكن لاستكمال مشاريعها السياسية القادمة، لأنها وجدت أن التطورات السياسية في الشرق الأوسط تتجاوزها، وأنها لم تعد خطاً مفصلياً بين الشرق والغرب، وجاءت مشاريع تنفيذ خطوط الأنابيب لتقلل من جدواها الاقتصادية والجغرافية. وهكذا إسرائيل وإيران، لا تتحقق كل أحلامهما في منطقتنا إلا بحرب شاملة لتدمير سوريا.

ورغم ذلك، فمازالت للعرب فرصة آتية، بأن يتدخلوا لوقف الحرب الأهلية، ويجتذبوا كل الطوائف، وأولاها النظام السوري، يجب أن تكون هناك حاضنة عربية للسوريين، ويعلو الجميع عن الخلاف، ويلتفون لحماية سوريا، وكل السوريين. وإذا كان في سوريا بترول يتصارعون عليه، فهو لن يكفي لإعادة بناء البلد المنكوب، وعودة أهله إليه.
 
والخوف كل الخوف، ويبدو أن هذا ما يحدث، أنهم يتصورون أنه من الممكن أن يبقوا جميعاً في سوريا، الأمريكيون والروس والأتراك والإيرانيون والإسرائيليون الذين سبقوهم باحتلال الجولان، ورفضوا الخروج من هناك، إنه سيكون احتلالاً من نوع جديد، ومخيف ومهلك للشعوب والبلدان.

إن الدول الإقليمية المحيطة بالعرب ترسل رسالة بليغة للعرب عبر سوريا، بأنها قادرة علينا، وأننا لا نزال تحت وصايتها، ونفوذها. ولذلك يجب أن يتحرك العرب، لكي يوقفوا الصراع في سوريا وعلى سوريا، وبكل البرجماتية والموضوعية مازال هناك حل عربي لسوريا.. حل يمنع السقوط الشامل، فهذا الوضع مرشح للانتقال، وقد جربوا شيئاً من هذا في العراق بعد احتلاله أمريكياً عام 2003، ومازال هذا الوضع يتفاعل بين إيران وتركيا وأمريكا، ويجب أن يتوقف هذا التفاعل. والعرب قادرون، بشرط أن يتفقوا على حل يراعي كل مصالح السوريين، وأعتقد أن العرب، المختلفين حول الحل في سوريا، لا يريد أحدهم أن يفرض نفوذاً أو احتلالاً لسوريا، ولكنهم يقرؤون ما يحدث من باب التعصب الطائفي، في حين أنه يجب أن يكونوا مع كل السوريين، مع الأقلية التي تقاتل، ومع الأغلبية المشردة، لا نريد لهم جميعاً أن يتقاتلوا، ولكن نريد أن يتحدوا في بناء سوريا الجديدة. مازال الحل العربي في سوريا هو الأمل، بل هو الحل الممكن والوحيد، لأنه بلا غرض أو مرض.