مقاتلون من أحد الفصائل الإسلامية في سوريا.(أرشيف)
مقاتلون من أحد الفصائل الإسلامية في سوريا.(أرشيف)
الإثنين 23 أبريل 2018 / 18:37

الأحجية السورية

لا نعرف ما هو الجيش الحرّ ولا من هم الأكراد ونكاد لا نعرف من هو بشار الأسد، ونكاد بالقدر نفسه لا نعرف بالضبط ما هي أميركا وما هو الغرب

الوضع في الربيع العربي غريب بكل المقاييس. لا يملك أحد أن يتذكّر أوّلية هذا الربيع بدون أن يشهق استغراباً. من يتذكر كيف بدأ أردوغان على سبيل المثل، وكيف كان الانقسام الدولي حول الانتفاضة السورية وإلى أين انتهى ذلك. أردوغان اليوم في حلف ثلاثي من أقرب اثنتين الى بشار الأسد: إيران وروسيا. لكنّ أحداً لا يستطيع أن يصنّف غزو كردستان السورية برفقة أودعم الجيش الحرّ. من الصعب أن نتصوّر أن الأمور ما زالت كما كانت في بداياتها. من الصعب أن نضع كردستان السورية في معسكر بشار الأسد، ونعتبر أن احتلال عفرين تدبير ضده، وأن يكون دليلنا على ذلك هو أن الجيش الحرّ المعارض يدعم تركيا أردوغان الذي بدأ متطرفاً في معارضة بشار الأسد، وداعية الى تنحيته. بعض المحللين يسير على هذا النهج ويفترض أنّ أميركا سكتت عن غزو عفرين وأباحت أصدقاءها الأكراد للجيش التركي على هذا الأساس وضد بشار الأسد. ألبعض يظن أن المعارضة السورية خسرت في الغوطة وربحت في عفرين. لم يقل هذا أردوغان ولا قاله الجيش الحرّ وبالطبع لم تقله أميركا.

الغريب هو أننا اليوم لا نثق بتسميات الأمس. لا نعرف ما هو الجيش الحرّ ولا من هم الأكراد ونكاد لا نعرف من هو بشار الأسد، ونكاد بالقدر نفسه لا نعرف بالضبط ما هي أمريكا وما هو الغرب. لقد ندّد ماكرون بما فعله أردوغان بالأكراد وندّدت أمريكا بصوت لا يوازي صداقتها التاريخية للأكراد، ودعمها القريب العهد لسوريا الديمقراطية التي ساعدت القضاء على داعش، والتي لا يختفي في غاباتها جيش حزب العمال الكردي ولا أحفاد أبناء أوجلان، مع ذلك تستعد تركيا للدخول إلى منبج بدون أن يندّد الأميركيون بها. وحده بشار الأسد يعترض ولكن ليتصرف أمام العالم كرئيس اعتُدي على بلاده. مع ذلك يبدو صعباً تصنيف بشار الأسد في حين يقصف الروس الغوطة ويفاوضون المعارضة ويتصرّفون على أنهم أسياد الأرض، فيما تتراجع المعارضة التي لم تعد سوى إسلامية، بأسماء إسلامية شتى. وليس أردوغان سوى أخ مسلم فكيف نفرزه الآن من بين الإسلاميين. وما قد لا يكون خطأً على الإطلاق أنّ الإسلاميين دخلوا سوريا من بلاده التي كانوا ضيوفاً أعزاء عليها. ثم من يفهم أن تترك أمريكا أصدقاءها الأكراد لعسف الجيش التركي، وأن يترك الغرب هؤلاء الأصدقاء لعسف الأتراك وأن يذهب تنديد ماكرون في الريح. هي صلة تركيا بالحلف الأطلسي الذي نسيها الجميع بعد الانقلاب التركي ولم يسلّموا باستقبال اردوغان في بلادهم، وامتنعوا عن تسليمه خصمه الذي يواجهه من أمريكا.

لا نعرف الآن كيف نصنّف المعارضة. الجيش الحرّ في ذيل الأتراك وعشرات التنظيمات الاسلامية التي لا تختلف عن نظام بشار الأسد في العسف والطاغوت. وحين نرى الروس يقصفون الغوطة الشرقية ويفاوضون الميليشيات المعارضة على الإنسحاب، ما يبدو معه أن المعركة باتت دولية أكثر منها محلية وتجري أكثر خارج الحدود السورية. مع ذلك فإن الأمريكيين الذين هددوا عهد أوباما بالتدخل المباشر في الحرب، يبدون اليوم أقل تدخلاً وتأثيراً من الروس الذين انفلتوا تماماً من عقالهم وتحكموا بالمعركة أمام أعين الأمركيين وتحت أبصارهم.

عند ذلك يصعب تماماً تمييز العدو من الصديق، كما يصعب كلياً فهم العلاقات الدولية التي تتحكم بالمعركة. ثم إنّ ذاكرة الصراع السوفياتي الأمريكي الذي ما زالت تعمل عند كثيرين، لا تصحّ مع العلاقات الروسية ــ الاسرائيلية التي تزداد متانة. ما يجري هنا وهناك هو حقاً فوق الفهم.