ملصق انتخابي لرئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري.(أرشيف)
ملصق انتخابي لرئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري.(أرشيف)
الأربعاء 25 أبريل 2018 / 19:56

انتخابات بلا سياسة في لبنان

المشهد لا يكتمل من دون الالتفات إلى التحالفات الانتخابيّة التي تضجّ بالغريب العجيب، بحيث يستحيل أحياناً البحث عن أيّ قاسم سياسيّ مشترك بين رفاق اللائحة الواحدة

يقترب موعد الانتخابات النيابيّة في لبنان، وهو السادس من مايو (أيّار) المقبل. في موازاة اقتراب الموعد المذكور، يتّضح كم هي رقيقة القشرة السياسيّة التي تغلّف العمليّة الانتخابيّة. أمّا ما يقيم عميقاً تحتها فقابليّةٌ للعنف ضخمةٌ وكثيفة، وإن كانت غير مستغرَبة: ألا تقول البداهة إنّ انتشار السلاح غير الشرعيّ إنّما يجعل العنف تحصيلاً حاصلاً؟

آخر استعراضات هذا العنف كان الاعتداء الذي تعرّض له الزميل علي الأمين، الذي يخوض معركة انتخابيّة في دائرة الجنوب الثالثة ضدّ مرشّحي "حزب الله" وحلفائهم. ففي قريته شقرا، في قضاء بنت جبيل، وعلى بُعد 150 متراً من منزله حيث كان يعلّق بنفسه صورته الانتخابيّة، تعرّض له بالضرب عشرات المناصرين للحزب المذكور. ذاك أنّ تعليق صورة لمرشّح يناوئ الحزب إنّما هو اعتداء على احتكار الفضاء العامّ الذي ينبغي أن يقتصر على تعابير الحزب المسلّح وعلى رموزه وصور قادته.

يسير هذا الاستعداد العنفيّ في موازاة نموّ التفاهة التي تطغى على المناخ الانتخابيّ طغياناً مُحكماً. فالشعارات الانتخابيّة المفترضة هي في أغلبها إمّا عبارات إنشائيّة فارغة وسقيمة أو وعود مستحيلة التحقيق. وهي دائماً، علناً أو ضمناً، تخاطب أبناء طائفة بعينها أو منطقة بذاتها، متلاعبةً على "حِكَم" وأمثلة ورموز وخرافات. والحال أنّها، في هذا، إنّما تشبه ما تردّده جوقات "الزجل" وقصائد الزجّالين أكثر كثيراً ممّا تشبه البرامج الانتخابيّة.

المشهد لا يكتمل من دون الالتفات إلى التحالفات الانتخابيّة التي تضجّ بالغريب العجيب، بحيث يستحيل أحياناً البحث عن أيّ قاسم سياسيّ مشترك بين رفاق اللائحة الواحدة. لكنّ أغرب الغرائب يبقى، بالطبع، اجتماع "التيّار الوطنيّ الحرّ"، أي العونيّين، و"الجماعة الإسلاميّة"، أي الإخوان المسلمين، في لائحة واحدة في دائرة صيدا – جزّين!

وما بين الاستعداد العنفيّ والتفاهة الطاردة لكلّ مضمون، تنحسر السياسة تماماً ويقوى النقد الشعبويّ للسياسيّين بوصفهم جميعاً منافقين أو لصوصاً "يضحكون على الشعب". هذه الصورة لم يحدّ منها على الإطلاق وجود مرشّحين من خارج بيئة الساسة التقليديّين، ممّن نسبوا أنفسهم إلى "مجتمع مدنيّ" ما. فما حصل هو العكس تماماً، إذ اصطبغت صورة هؤلاء بالرداءة والانتهازيّة اللتين زعموا أنّهم يريدون تخليص اللبنانيّين منهما.

وليس من المبالغة القول إنّ هذه الانتخابات أقلّ الانتخابات سياسيّةً في التاريخ اللبنانيّ الحديث. وهذا ما لا يعوزه التمهيد والسوابق: ففي 2005 و2009 مثلاً، عجز "حزب الله" وحلفاؤه عن إحراز أكثريّة نيابيّة. مع ذلك، بقي سلاح الحزب خارج التداول والقرار، أي أنّ الإرادة الشعبيّة، كما عبّرت عنها النتائج الانتخابيّة، لم يظهر لها أيّ أثر جدّيّ. مثل هذه الحقيقة التي تكرّر ظهورها إنّما برهنت أنّ الانتخابات ونتائجها شيء والقرار الفعليّ شيء آخر. وهذا بذاته سبب لخيبة عميقة بالسياسة وبالرهان عليها.

والمفارقة تبلغ ذروتها حين نتذكّر أنّ اللبنانيّين قد يجدون أنفسهم وسط نزاع إقليميّ ضارٍ ومفتوح يتسبّب به صدام إسرائيليّ – إيرانيّ محتمل في سوريّا. وغنيّ عن القول إنّ وجود "حزب الله" وسلاحه في لبنان، في ظلّ ولائه المعروف لإيران، لا بدّ أن يمدّ هذه المواجهة إلى "الساحة اللبنانيّة". مع ذلك، يجري التحضير للانتخابات النيابيّة الوشيكة من دون أيّة إشارة إلى احتمال في غاية الخطورة كهذا. المهمّ أن يصل هؤلاء المرشّحون إلى البرلمان، أيّ برلمان، وأن يصيروا نوّاباً، حتّى لو لم يعد النائب أكثر من سيّارة أُلصقت بها نمرة زرقاء.