غلاف كتاب " هكذا تكلم القارئ : النقد الافتراضي ومشاغل أخرى" (أرشيف)
غلاف كتاب " هكذا تكلم القارئ : النقد الافتراضي ومشاغل أخرى" (أرشيف)
الأحد 29 أبريل 2018 / 19:49

في معرض الكتاب: هكذا يتحدث القارئ

النقد الافتراضي هو ظاهرة ثقافية نتيجة غياب النقد الموضوعي في مضمار ثورة المعلومات، فابتكر المؤلف هذا المصطلح ليشمل في كتابه الحديث عن أدب التغريدات والقصص التويترية والرواية التويترية والعديد من المواضيع التي تلامس أزمة القراءة في العالم الافتراضي العربي

أشار علي أحد الأصدقاء ذات مرة بقراءة كتاب "عودة الألماني إلى رشده"، بعدما كال له أطناناً من المديح والإطراء رغم أنه لم يقرأ منه سوى فقرة الغلاف الخلفي، فموضوع الكتاب يصلح لأن يكون مشاركة طويلة في منتدى إلكتروني مهتم بالقصص الهامشية التي يظن أصحابها أنها محور هذا الكون، فمن يهتم بقصة "يواخيم" الألماني إن كان تاب من مِثليته في لبنان بعد أن رأى فحولة المؤلف؟ قصة مهترئة جداً ولا أدري كيف تم نشرها في كتاب يستهلك الكثير من الخشب الأندونيسي وقد يفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري في العالم.

في ضوء هذا الوباء الكتابي الذي يتفشى في المكتبات والمعارض والطرقات، كان لابد أن يتوفر للقارئ في العالم الافتراضي وسيلة فعّالة للنقد لا تستطيع أن تكبحها أقلام المحررين في الجرائد الصفراء والمجلات الثقافية، فأطل علينا معرض الكتاب في هذه السنة بكتاب يتعرض للعوالم الافتراضية التي تمت حياكتها حول العالم الحقيقي، وهو كتاب الاستاذ محمد المرزوقي "هكذا تكلم القارئ: النقد الافتراضي ومشاغل أخرى"، ومع أن كتب النقد عادة تكون دسمة ومعقدة ومملة ولغتها هي التشدق بالسجع والمطابقات والاستعارات دون تقديم جُمل مفهومة لعموم القراء، فإن المرزوقي اتبع الأسلوب "السواليفي" الذي اقتبس اسمه من د.عبدالله الغذامي، مُبيناً أن هدفه من ذلك هو كسر الرتابة المملة المحيطة بمثل هذه الأنواع من الكتابة.

النقد الافتراضي هو ظاهرة ثقافية نتيجة غياب النقد الموضوعي في مضمار ثورة المعلومات، فابتكر المؤلف هذا المصطلح ليشمل في كتابه الحديث عن أدب التغريدات والقصص التويترية والرواية التويترية والعديد من المواضيع التي تلامس أزمة القراءة في العالم الافتراضي العربي.

تطرق المرزوقي إلى موضوع وفاة الناقد، والذي تحدث فيه عن النقاد الذين يحسبون أن الغموض هو أحد ضرورات النقد وأدواته، متناسين أن وظيفة الناقد الحقيقي هي إضاءة معالم النص وإثرائه اجتماعياً وعلمياً وفكرياً، هذا الموضوع يعود بنا إلى بعض مبادئ المدرسة التأويلية "الهرمنيوطيقية" في المجال المعرفي الغربي، والتي اعتبرت كل قراءة للنص هي إساءة قراءة، فالمعرفة متطورة ومتغيرة وافتراضية في آن واحد، فنادت هي الأخرى بموت المؤلف عن طريق قلب الأسطوة للانفتاح على المستقبل في الكتابة كما يقول "رولان بارت"، فليس من الحكمة النظر إلى شخصية المؤلف أو تاريخه وذوقه عند تحليل النص، فاللغة حلت محل المؤلف، والكتابة هي امحاء حتمي للشخصية، ويتبع ذلك انتفاء القصدية وفتح باب تأويل النص بطريقة حرة، حيث أن النص فضاء متعدد المعاني، وتحل هنا سلطة القارئ الذي قد يمارس العنف على النص لإخضاعه وخلق انسجام عقلاني معه من أجل انتزاع معنى من كلماته حسب تعبير هايدغر.

في العالم العربي، دعا عبدالله العروي إلى التخلص من أساطير العرب الثلاث وهي تحجير اللغة، وتقديس التراث، وتمجيد الماضي، ويرى الحداثيون أن اللغة تتطور بتطور الوعي الإنساني في التاريخ، فيجب تحرير اللغة العربية من القيود التي خُلقت حول النص الديني الذي صار لا يُفهم إلا من خلال هذه البروتوكولات.

لعل من أن أشد الظواهر التي حمل عليها المرزوقي هي ظاهرة الإسهال الروائي والتي فيها لكل دولة عربية نصيب بقدر ما تمتلك من مراحيض تختبئ خلف مسمى دور النشر حسب وصفه، فمشكلة كثير من الشباب أنهم لا يقرأون الروايات الجيدة ولا حتى السيئة ثم يريدون أن يكتبوا رواية، فويلٌ للقرّاء من كاتب لا يقرأ كما يقول علي الوردي.

سأتوقف الآن عن الحديث عن الكتاب حتى لا اقترف الجريمة الأدبية التي حذر منها المرزوقي في حديثه عن الكُتّاب الذين حولوا الكتابة عن الأدباء في ثقافتنا العربية إلى مجرد إطراء وإنشائيات تنتهي إلى تحويل الأدباء إلى كائنات أسطورية، تنتهي بتوثينهم في معابد ثقافتنا العربية على حد تعبير غادة السمان، فنحن من نسل النبي (ص) الذي عندما أراد أن يهدم أصنام قومه، بدأ بأكبرها كما يقول المرزوقي.