شاب يلوح بعلم فلسطيني ويحمل لافتة باسم قرية عائلته في إسرائيل على حدود غزة مع إسرائيل (أف ب)
شاب يلوح بعلم فلسطيني ويحمل لافتة باسم قرية عائلته في إسرائيل على حدود غزة مع إسرائيل (أف ب)
الإثنين 30 أبريل 2018 / 20:57

الصمت ليس قدراً فلسطينيا

التفسير الوحيد لغياب رد الفعل هو انشغال الفلسطينيين بصراعاتهم البينية الصغيرة وانهماك العرب في صراعات تحرق البشر والحجر في البلاد المبتلاة بربيع الإرهاب

قليلون هم الذين التقطوا في وقت مبكر إشارات الخطر في الصفقة الأمريكية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عند بدء التلميح لها والحديث عنها، وحين بادر هؤلاء إلى التنبيه لخطورة هذه المؤامرة تجاهلتهم النخب واتهمهم المتنفذون بالانفعال ورؤية الواقع بعين الكاره لأمريكا والاستسلام للوهم وتخيل ما هو ليس موجوداً في الواقع، ذلك لأن واشنطن لم تكن قد عبرت علناً عن رؤيتها لما تسميه "صفقة القرن".

الآن، وقد أصبحت الصفقة السوداء العنوان السياسي الأبرز في المنطقة، وأصبح الفلسطينيون مضطرون للتعاطي مع "الأفكار الأمريكية" بالرفض أو القبول، يواصل المتنفذون صمتهم المخجل ويختارون تجاهل المؤامرة، وينغمسون في التفاصيل الصغيرة التي تقود في النهاية إلى تمرير الصفقة الكارثية.

وإذا كانت قراءة المقدمات تقود إلى استخلاص النتائج فإنه يمكن القول إن الولايات المتحدة بدأت بالفعل بتنفيذ مشروعها التصفوي لحظة إعلان دونالد ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وهو الاعلان الذي لم يولد رد فعل حقيقياً سواء من قبل النظام الفلسطيني أو شركائه في النظام الرسمي العربي. وسوف يغيب رد الفعل الفلسطيني والعربي أيضاً في منتصف مايو (أيار) عندما تنقل أمريكا سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

وإذا جاز في هذا الزمن الملتبس اعتماد حسن النية في قراءة المشهد، فإن التفسير الوحيد لغياب رد الفعل هو انشغال الفلسطينيين بصراعاتهم البينية الصغيرة وانهماك العرب في صراعات تحرق البشر والحجر في البلاد المبتلاة بربيع الإرهاب.

وربما كان هذا الانشغال سبباً في نسيان أو تناسي قرارات أربع قمم عربية سابقة حول القدس وتجاهل نصوصها الصريحة بقطع كافة أشكال العلاقة مع أي دولة تنقل سفارتها لدى الكيان الاحتلالي إلى المدينة المقدسة.

ليس مطلوباً من العرب إعلان الحرب على إسرائيل وأمريكا للرد على هذه الخطوة الأمريكية الحمقاء، لكن التصعيد مطلوب، بل وضروري من أصحاب القضية، وهم الفلسطينيون الذين يفرغون شحنات غضبهم المشروع في عمليات فردية واشتباك شعبي مع الاحتلال تغيب عنه الأطر والفصائل في المعسكرين الوطني والإسلامي.

ولأن العمليات فردية فإنها تظل محدودة التأثير ولا استثمار سياسياً لها، ما يشجع واشنطن وتل أبيب على المضي في مشروع تصنيع شرق أوسط جديد لا مكان فيه للفلسطينيين وفصائلهم ومنظماتهم.

هذه القراءة لا تحضر في عقل صانع القرار الفلسطيني الذي ينخرط في لعبة داخلية يميزها الاحتقان والتصعيد في مواجهة الخصوم السياسيين الذين ينبغي أن يكونوا شركاء في المشروع الوطني، بينما يتواصل العمل على تهدئة بؤر المواجهة المحتملة مع الاحتلال، بل وقمع الداعين إلى التصدي لمشروع الكفر السياسي.

تحت هذه الغيمة السوداء يصر النظام الفلسطيني على مواصلة التنسيق الأمني مع الاحتلال، ويستمر في ملاحقة ومطاردة الأفراد المشتبه بـ "تورطهم في تنفيذ أو التخطيط لتنفيذ عمليات" ضد قوات الاحتلال وقطعان مستوطنيه.

في الوقت ذاته يواصل النظام الفلسطيني المستظل بالرضى الأمريكي والإسناد الرسمي العربي على تنفيذ الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وترسيخ الانقسام بين جناحي الدولة الموعودة في مشاريع الحلول البائسة.

وبعد أن استطاع المتنفذون في هذا النظام العبث بحركة فتح وأطرها القيادية وتمكنوا من تفصيل لجنة مركزية ومجلس ثوري للحركة على مقاسهم وبما يخدم انخراطهم في المشروع التسووي، يبدأون اليوم العبث بمنظمة التحرير الفلسطينية وتفصيل لجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي على مقاسهم وبما يخدم صمتهم واستنكافهم عن مواجهة المشروع الأمريكي الذي يستهدف الوجود الفلسطيني برمته، فيعقدون مجلسا وطنيا بمن حضر وفي رام الله تحت حراب الاحتلال ويدعون أن هذا القرار تأكيد للقرار الوطني الفلسطيني المستقل.

واقع الأمر أن كل هذه الإجراءات تخدم المشروع الترامبوي وتمهد له، لكن الرهان على قدرة النظام الفلسطيني على استمرار هدوء الشارع وصمته أو موته، يبدو رهاناً خائباً لأن الشعوب لا تموت.

وربما يفاجأ هذا النظام وغيره، مثلما تفاجأ إسرائيل وأمريكا بما لم يكن متوقعا.. ننتظر، ونتفاءل لأن القادم صعب.. لكنه مبشر.