الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الأربعاء 2 مايو 2018 / 19:31

روسيا وإيران: ربما... ولكن

ربما كنّا نعيش اليوم بداية تراجع النفوذين الإيراني والروسي في منطقة الشرق الأوسط. نقول: "ربما" ونضع خطوطاً كثيرة تحت الكلمة.

بعيداً عن كلّ حساب، لا يستطيع واحدنا أن يكتم غبطته برؤية النظامين الروسيّ والإيرانيّ وهما يتمرّغان في وحل بلداننا التي أرادا تحويلها "مدى حيويّاً" لهما ولتمدّدهما الاستعماريّ

يقال هذا وفي البال أن الضربات العسكريّة الأخيرة في سوريّا، أكانت تلك الأمريكية، والبريطانيّة، والفرنسيّة أم تلك الإسرائيليّة، برهنت شيئاً واحداً: أن الروس والإيرانيّين ليسوا قادرين على خوض مواجهة عسكرية مع خصومهم الإقليميين والدوليين.

سببان على الأقل يفسران هذا الواقع: أن تقنياتهم عموماً، وتقنيّتهم العسكرية خصوصاً، لا تملك القدرة التنافسية التي تتطلبها مثل هذه المواجهة العسيرة. وثانياً، أن أوضاعهم الإقتصادية بالغة السوء والتردي ولا تحتمل الأكلاف المالية للمواجهة.

يكفي أن نذكر ونذكر بالضربات الثلاث الكبرى الأخيرة: قصف الطائرات الإسرائيلية مطار تيفور، القريب من مدينة حمص، الذي يستخدمه الإيرانيون. استهداف القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية عدداً من المواقع في سوريا عقاباً لدمشق على شنها هجوماً كيماويّاً في دوما بالغوطة الشرقيّة. قيام طائرات إسرائيلية بضرب قواعد سورية تخزن صواريخ إيرانيّة مضادة للطائرات. في هذه الحالات جميعاً، وفي سابقاتها منذ 2015، امتُحن السلاح الروسي، حامي الحمى، وكان يفشل في الامتحان مرة بعد مرة.

صحيح أن نظامي موسكو وطهران، وبسبب النقص الديمقراطي الفادح في الأول وانعدام الديمقراطية في الثاني، يستطيعان أن يشنا الحروب ساعة يشاءان، دون أن يحسبا حساباً يُذكر لشعبيهما وإرادته. وهذا عنصر تفوق على النظام الديمقراطي الغربي لجهة حرية الحركة والمبادرة. بيد أن ذلك لا يكفي بذاته إلا متى كان العدو شعوباً مجزأة ومتحاربة وضعيفة كشعوبنا، في ظل غياب الخصوم الأقوياء أو انكفائهم.

ووضعٌ كهذا هو بالضبط ما أتاح للنفوذين الإيراني والروسي أن يتوسعا، في السنوات القليلة الماضية، في سوريا وفي عموم المنطقة.

أحداث هذا العام 2018، تقول إنّ الأمور ربما اختلفت: الروس والإيرانيون بات عليهم أن يواجهوا من هم أقوى منهم.

لهذا تراهم يتهربون من الرد على الصفعات المتتالية التي وُجهت إليهم في سوريا. فهم أقوياء علينا، على حلب والغوطة، لكنّهم ضعفاء قياساً بالأمريكيين والإسرائيليين.

لهذا ترتفع، في موسكو وفي طهران، نبرة الكلام التي تحاول التغطية على انعدام الرد وعلى الضعف التقني والحربي في آن معاً. وفي لبنان، يواكب "حزب الله" ارتفاع النبرة بأن يزيدها ارتفاعاً وتهويلاً بعظائم الأمور.

هذا التقدير، في حال صحته، لا يعني أنّ الأمور استقرت على خلاص لمنطقتنا وشعوبها، أو أنها فتحت الطريق إلى خلاص كهذا.

فبداية التراجع الإيراني الروسي لا تتساوى مع استسلام الطرفين، ومن ثم مع توقف المجابهات التي تتخذ من سوريا والمنطقة مسرحاً لها. ذاك أن المجابهات قد تعتمد أشكالاً عدة وساحات مختلفة، ولا يُستبعد، والحال هذه، أن يزداد التعويل على لبنان بوصفه الخاصرة الرخوة في المنطقة.

وليس محسوماً، من جهة أخرى، أن تشكل بداية التراجع الروسي الإيراني مدخلاً لانتصارات تحققها شعوب المنطقة أو لتسويات عادلة لأزماتها: ذاك أن الطرف الآخر، أي الأمريكي والأوروبي والإسرائيلي، ليس معنياً بذلك.

إنه معني بنفوذه في مواجهة النفوذ الذي تحظى به موسكو وطهران. وتقول الخبرات المتجمّعة لدينا أن شن الحروب لم يترك المنطقة، في أي وقت سابق، على حال أفضل ممّا كانت قبل شنها. وحتى على افتراض العكس، فإن الشرق الأوسط، سواء نُظر إليه ككل أو كدول متفرقة، لا يملك القدرة المطلوبة لاستثمار التحولات التي تتيحها المواجهات ولتوظيفها في مصلحة شعوبه.

وأخيراً، ليس تراجع النفوذ الروسي الإيراني بديلاً عن خطة استراتيجيّة للمستقبل القريب، وهذا غير متوافر.

لكن بعيداً عن كل حساب، لا يستطيع واحدنا أن يكتم غبطته برؤية النظامين الروسي والإيراني وهما يتمرغان في وحل بلداننا التي أرادا تحويلها "مدى حيوياً" لهما ولتمددهما الاستعماري.