رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون (أرشيف)
رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون (أرشيف)
الخميس 3 مايو 2018 / 20:18

بريد الأخ سليم

بريد الأخ سليم الزعنون، رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يمتلئ بالرسائل، هناك رسائل كثيرة تتراكم في الصندوق المهجور منذ وقت طويل، فجأة يستيقظ الصندوق من غيابه ويستيقظ صاحب الصندوق، ولكنهما لا يلتقيان، لا الصندوق يفتح ولا صاحبه يقرأ البريد.

مؤخراً وعشية الإعلان عن انعقاد المجلس في رام الله بدأت تصل العديد من الرسائل، من الجاليات في أنحاء العالم، من أعضاء سابقين مضى على آخر دعوة تلقوها أكثر من عقد من السنوات

مؤخراً وعشية الإعلان عن انعقاد المجلس في رام الله بدأت تصل العديد من الرسائل، من الجاليات في أنحاء العالم، من أعضاء سابقين مضى على آخر دعوة تلقوها أكثر من عقد من السنوات، البعض يؤرخ المراسلة الأخيرة قبل ربع قرن من الآن.

من بين هذه الرسائل يمكن التوقف عند ثلاثة تؤشر كل منها على زاوية قد تساعد في فهم الأجواء التي جرى فيها الإعداد والتخطيط لدورة المجلس، الأولى من السيد ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية، الهيئة العليا المنتخبة في المجلس، وأمين سر اللجنة التنفيذية، الموقع الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، لسنوات طويلة، يستغرب فيها عدم دعوته أو إدراج اسمه ضمن المدعوين للمشاركة في اجتماع المجلس المنعقد في رام الله هذه الأيام.

وهو أمر مستغرب الى حد الطرافة، اذ من حق الأعضاء الجدد الذين أضيفوا على عجل وفي سياق وآليات مثيرة للقلق، والقدامى من الراسخين منذ عقود في قوائم العضوية، أن يسائلوا الرجل حول مسارات كثيرة كان خلالها يتبوّأ أحد أهم مواقع العمل في المنظمة، أو يطلعوا، في الأقل على تقارير العمل والمهمات والملفات التي كانت بين يديه، إن لم يكن من باب الاطلاع والتقييم والاستماع إلى وجهة نظره، وهو أحد حقوقه، فمن باب المحاسبة، وهذه من حقوق المجلس نفسه.

الرد الذي ظهر كان شخصياً تماماً واكتفى بهجوم إنشائي لم يتطرق إلى جوهر المساءلة أو الى الثغرة القانونية الواسعة التي أشارت إليها رسالة عضو اللجنة التنفيذية والتي بقيت، معلقة دون محاولة جدية لتبريرها أو تغطيتها.

الرسالة الثانية كانت من الكاتب الفلسطيني المعروف وعضو المجلس الوطني فيصل حوراني الذي تلقى دعوته على الهاتف في منزله في العاصمة النمساوية فيينا، ثم عبر اتصال من سكرتيرة السفارة الفلسطينية، في محاولة لتدارك الخلل كما يبدو، وضح غضبه من الاستهتار بالمجلس والأعضاء ورسالة رئيس المجلس التي لم تصل.

فيصل المعروف بدقته ووضوحه لم يفوت فرصة تصحيح رقم الدورة وتذكيره للزعنون بأن ربع قرن تقريباً قد انقضى على آخر ما يمكن تسميته دورة للمجلس رغم المآخذ على تسمية الأعضاء واختيارهم في حينه.

اختتم فيصل رسالته، التي ليس واضحاً اذا كانت قد قرئت بناء على طلبه على أعضاء المجلس، ولكن مقتطفات منها وصلت إلى الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي بـ:

"واذا كان صدركم أنت وفريقك من قادة فتح ما يزال على عهدي به أي ما يزال فيه متسع فسيح للنقد، فإني أسجل هنا بعض ما قلته في الإعلام وسأقوله لاحقاً: شرعية المجلس لم تبلغ في أي عهد سابق الحد من الهوان الذي بلغته في عهد رئاستك"، مضيفاً: "آمل أن تُتلى هذه الرسالة في اجتماعكم حتى لا أضطر الى التشدد في النقد لتسويغ مقاطعتي المشاركة في الاجتماع".

الرسالة الثالثة كانت استقالة الرفيق عبد المجيد حمدان من عضوية المجلس، استقالة مبكرة سبقت انعقاد المجلس والمناداة على الأعضاء، استقالة نادرة في الحقيقة، اذ جرت العادة أن لا يستقيل الأعضاء من مجلسنا الوطني الا لأسباب سماوية من نوع الوفاة، يمكن استبعادهم أو تجاهلهم أو ترتيب الأمر بحيث لا يصلون في الوقت المناسب ...إلى آخر هذه الأفكار القادمة من أرشيف اتحادات الطلاب، ولكن موضوع الاستقالة غير وارد إلا في حالات نادرة يمكن تذكرها واحدة واحدة كأحداث، مثل استقالة الراحل إدوارد سعيد عام 1991 احتجاجاً على توقيع اتفاقيات أوسلو. الرفيق عبد المجيد حمدان أوضح ببساطة أن هذه الاستقالة لا تعني المقاطعة، ولكنه لا يرى أي جدوى وطنية في عضويته التي امتدت على مدى ربع قرن.

ثلاث رسائل بتوقيع ثلاثة أعضاء يمثلون اتجاهات مختلفة ومواقع مختلفة لم يحضروا الاجتماع، ولم يشاركوا في تكوين النصاب، رغم أنهم يتفقون على أهمية المنظمة ومكانتها ودورها.

حاولت أن اختار دون تحامل ثلاثة أسماء ذات حضور وتأثير في مجالاتها السياسي والثقافي والعمل المجتمعي من الغائبين عن الاجتماع، يملكون ثلاثتهم الحق في الحضور والمشاركة، ويؤمنون بدور ومكانة منظمة التحرير ورغم ذلك وجدوا أنفسهم مضطرين لمراسلة هيئات المجلس من الخارج، كل بطريقته.

لا خلاف على الأهمية القصوى لعقد دورة المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. كان يمكن إدارة الأمور بشكل مختلف تماماً، وفي سياق حوار وطني حقيقي داخل إطار المنظمة، ولكن نزعة الهيمنة، غير المبررة، والارتجال والأفكار الصغيرة وغياب المهنية التي اتسمت بها عملية التحضير والإعداد حولت الحدث برمته الى استعراض صغير يذكر بطريقة انتخابات المنظمات والاتحادات الشعبية، وهي الطريقة التي أدت الى تفريغ معظمها من مضمونه وقواعده الفاعلة وتعطيل دوره سواء في أوساط الشعب الفلسطيني أو في امتداداته الإقليمية والعالمية.

ثمة خلل كبير يمكن الإشارة إليه يشمل مدخلات ومخرجات اجتماع المجلس وأهدافه، خلل عميق يتسم بضيق الأفق ينطلق أولاً من فهم محدود لدور المنظمة ومن تغييب المعايير الديمقراطية.

خلل فيه الكثير من التعالي الذي تسببه، في الغالب، عزلة النخب وانشغالها بذاتها ومحيطها الضيق وابتعادها عن الواقع حيث تحدث الأشياء.