في اليرموك.(أرشييف)
في اليرموك.(أرشييف)
الثلاثاء 8 مايو 2018 / 20:07

أبعد من اليرموك

أمام كل منعطف من هذه المنعطفات كان المتضرر الفلسطيني يجد نفسه وحيداً ومعزولاً دون السند المفترض من الكل الفلسطيني مما يهشم الفهم المشترك للهوية الفلسطينية الجامعة

تضيف تطورات أوضاع مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على مدى الأسابيع الماضية وما رافقها من مناكفات وجدل وسبقها من أحداث خلال سنوات الازمة السورية جديداً الى عوامل تعرية الشعور الجمعي وبقايا البنية السياسية الفلسطينية التي تواجه واحدة من أكبر أزماتها.

اللافت للنظر أن الانقسامات والتقاطعات الفلسطينية حول الموت والدمار في المخيم الذي استحق في يوم من الأيام وصف "عاصمة الشتات الفلسطيني" كانت أقرب إلى المتاهة.

مطالبة البعض بوقف قصف القوات النظامية السورية للمخيم فسر لدى البعض الآخر بالانحياز لداعش وحدث الامر نفسه تقريباً مع دعوات مواصلة القصف لكنس الدواعش التي تم التعامل معها في أوساط عديدة باعتبارها انحيازاً لنظام يثير بقاؤه ورحيله خلافاً في الداخل السوري.

الحضور الفلسطيني في الميدان لم يكن أفضل من حالة التمترس السياسي حيث انقسم الفلسطينيون بين مساند للقوات النظامية السورية ومقاتل إلى جانب الدواعش في الوقت الذي ظهر صوت منظمة التحرير الداعي إلى تحييد المخيم وإغاثة سكانه، خجولاً وأقل مما يتطلبه الموقف.

انعدام الثقة بين الأطراف الفلسطينية المتباينة في مواقفها حول ما يجري في اليرموك يتجاوز أزمة المخيم إلى ما هو أقدم وأبعد من ذلك، مما يفسر اطلاق اتهامات ساذجة مثل غض طرف من الأطراف البصر عن تدمير بيوت اللاجئين وإعادة انتاج لجوئهم توطئة لصفقة القرن.

لا يكتمل البحث عن تفسير للاصطفافات الفلسطينية وتداعياتها دون تسليط الضوء على أمراض مزمنة في منظمة التحرير ومنظومة عملها و الخط البياني لعلاقات التحالف والخصام بين الفصائل الذي ارتبطت تعرجاته ـ بشكل أو بآخر ـ بخلافات النظامين الرسميين الفلسطيني والسوري خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي.

بعد معركة "تل الزعتر" مثلاً لاحقت قيادة ياسر عرفات اتهامات واضحة وصريحة بالتواطؤ لإسقاط المخيم، وخلال ما عرف بحرب المخيمات كانت الفصائل والقوى الفلسطينية المقربة من النظام السوري متهمة بالصمت عما جرى تحت يافطة ملاحقة العرفاتيين.

يحضر في هذا السياق غياب اكتراث القيادة الفلسطينية بفلسطينيي الشتات الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال الوقوف عند أدائها في الأردن نهاية الستينات وبداية السبعينات ولبنان ما قبل الاجتياح الاسرائيلي في أوائل الثمانينات والغزو العراقي للكويت مطلع التسعينات. ففي كل مرة كان الفلسطيني يدفع فاتورة باهظة الثمن لمغامرة قيادته وعجزها عن تقدير ارتداد مواقفها على شعبها.

أمام كل منعطف من هذه المنعطفات كان المتضرر الفلسطيني يجد نفسه وحيداً ومعزولاً دون السند المفترض من الكل الفلسطيني مما يهشم الفهم المشترك للهوية الفلسطينية الجامعة.

ويزيد من خطورة المنعطف الذي جسده مخيم اليرموك أن الوقوف أمامه أو المرور به جاء في زمن تحولات عاصفة تمر بها المنطقة وتؤثث لهويات جديدة.

تفوق إفرازات اليرموك الراهنة ما يتعلق بمآلات عاصمة الشتات الفلسطيني فهي تفتح هوامش جديدة حول ديمومة الشعور بمصير مشترك تطل أحاجيه بين حين وآخر لتلقي علامات الاستفهام في بحيرة يفيض ماؤها ليطال مفهوم الهوية التي حافظت على وجودها لكنها لم تسلم من التهشيم.