أنصار حزب الله يحتفلون بالفوز في الانتخابات النيابية في بيروت.(أرشيف)
أنصار حزب الله يحتفلون بالفوز في الانتخابات النيابية في بيروت.(أرشيف)
الجمعة 11 مايو 2018 / 20:21

ديمقراطية كي جي تو

حينما تسجّل نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية في ٢٠١٨ انتصارات كبيرة لحزب الله، وهو الحزب الإرهابي الذي يغرق حتى "عمامته" في توجهه الديني، ويضع الطائفية فوق كل اعتبار، حتى أنه يعمل "بالريموت كونترول" من إيران، ويتورط في سوريا واليمن والعراق لخدمة أجنداتها، فأي ذراع للخليج يحاول أن يلويها أدعياء الحرية هؤلاء؟

قررت في عمر صغير أن أترفع عن أسلوبي المعتاد بأن أفغر فاهي مدعية للصدمة حين يتم إلقاء القبض علي متلبسة، وأن أصرخ بطريقة درامية مفتعلة أمام المشرفة، "ولكني لم أهرب من الفصل وحدي. ماذا عن فلانة وفلانة؟ انظري إليهن، انظري!"

لم أعلم آنذاك بأني أرتكب مغالطة منطقية تدعى الwhataboutism، والتي ترتكز على الإشارة إلى أمر آخر لصرف الأنظار عن محور النقاش.

ولكني تعلمت منذ نعومة أظافري بأنها مغالطة مكشوفة، وستنتهي غالبا بعلقة "غير منطقية" ساخنة.

وقد تذكرت ذلك الدرس الطفولي حين شغلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً مشاركة خبيثة لأحد الصحفيين اللبنانيين، إذ صوّر علي مراد إبهامه الملطخ بحبر التصويت الطاهر، ولمز تلك الدول الشقيقة التي "لا زالت تحرّم الانتخابات"، على حد تعبيره، إذ يبدو أنه لم يتتبع أخبار المنطقة منذ عصر "ستار أكاديمي".

لا يهمني هنا ذر الرماد في العيون، فمن حق علي مراد وغيره انتقاد الدول الخليجية، والرمي بنهضتها وتنمينها عرض الحائط لمجرد غياب صندوق الاقتراع، أو بطء شيوعه. لا سلطة لأي كان لمنع هذه الآراء، كما أني لست مثل سواي ممن يتعلقون في رقبة السؤال "... وماذا عن؟"

أنا على أتم استعداد لأبارك لإبهام علي مراد "بنفسجيته"، وأعترف بإعجابي بالديمقراطية التي تمرّغ فيها.

ولكن حينما تسجّل نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية في ٢٠١٨ انتصارات كبيرة لحزب الله، وهو الحزب الإرهابي الذي يغرق حتى "عمامته" في توجهه الديني، ويضع الطائفية فوق كل اعتبار، حتى أنه يعمل "بالريموت كونترول" من إيران، ويتورط في سوريا واليمن والعراق لخدمة أجنداتها، فأي ذراع للخليج يحاول أن يلويها أدعياء الحرية هؤلاء؟ وأي جرأة تتملكهم لانتقاد خطواته الأولى نحو الديمقراطية؟

صدقوني بأنه لا تروق لي الشماتة بمثل هذه التخبطات المتوقعة في الطريق نحو المدنية، والتي أتطلّع إليها باعتبارها سدرة المنتهى لنا جميعاً من المحيط الأطلسي إلى بحر العرب.

إنما لا أفهم الهوس بقلة، أو حداثة، الانتخابات البرلمانية في الخليج، والإصرار على وضعها تحت عدسة الاحتقار إلى حد الزعم الجائر بتحريمها ومنع وجودها، في وقت يجوب فيه أنصار حزب الله العاصمة اللبنانية "ناعبين" بشعار مقزز مثل "بيروت صارت شيعية"، بالإضافة إلى محاولاتهم الهمجية لتحطيم تمثال الشهيد رفيق الحريري!

كوني قد نبذت الـ whataboutism مبكرا، فلا أجد بداً من تشبيه الموقف هنا بحوار يتعالى فيه طفل -كعلي مراد، مثلاً- على من يعتقد بأنه قد سبقهم إلى تحصيل العلم والمعرفة. ومن حقه أن يعقد المقارنات هذه دون تشتيته بسلسلة لا منقطعة من الـ"وماذا عن؟".

ولكن عندما تكون تجربته أشبه بتعليق عادل إمام في مسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة، "١٤ سنة خدمة في ثانوي وبتقولي أوقف!"، فأليس من الحري به الخجل من "ديمقراطية كي جي تو" التي يتأبطها عوضاً عن الانشغال بزملائه؟