مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر بين 1945و1947 (أرشيف)
مصطفى عبد الرازق شيخ الجامع الأزهر بين 1945و1947 (أرشيف)
الأربعاء 16 مايو 2018 / 20:09

شيخ الاستنارة

وُلد الشيخ مصطفى عبد الرازق في أبو جرج مركز بني مزار مديرية المنيا في صعيد مصر سنة 1885، والتحق بكتاب من كتاتيب البلد، ثم بادر والده بإرساله إلى الجامع الأزهر ليتلقى العلم فيه. بدأ الشيخ مصطفى في سن الخامسة عشرة، بقرض الشعر، ونشر مقالات في جريدة "المؤيد".

إذا كان النوم سلطاناً كما يقولون، فهو ألطف السلاطين استبداداً، وأخفهم على الروح تحكماً

ونظراً للصداقة المتينة بين والده والشيخ محمد عبده، فقد نشأت علاقة صداقة ومحبة بالتبعية، بين الشيخين محمد عبده ومصطفى عبد الرازق. حصل الشيخ مصطفى على العالمية، وهي الدرجة النهائية في الدراسة بالأزهر، وبتقدير الدرجة الأولى في سنة 1908.

بعد ذلك انْتدب الشيخ مصطفى للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي، لكنه ما لبث أن استقال منها في 1909، وقرر السفر إلى فرنسا لإتمام دراسة اللغة الفرنسية التي بدأها في مصر، في مدرسة عمل على إنشائها الشيخ عبد العزيز جاويش. وكان رفيق سفره إلى فرنسا أحمد لطفي السيد باشا.

أمضى الشيخ مصطفى في باريس ثلاث سنوات، وعاد إلى مصر في تموز (يوليو) 1912. تعلَّم الشيخ مصطفى الفرنسية، وحضر دروس عالِم الاجتماع الفرنسي الشهير إميل دوركهايم، ودروساً أخرى في الآداب وتاريخها.

 وفي سنة 1911 انتقل إلى مدينة ليون، ليشتغل مع الأستاذ إدوارد لامبير في دراسة أصول الشريعة الإسلامية ثم تولى تدريس اللغة العربية في كلية ليون.
  
أعد الشيخ مصطفى عبد الرازق رسالة الدكتوراه في الإمام الشافعي، أكبر مشرعي الإسلام، وقد أخرج بالاشتراك مع برنار ميشيل ترجمة بالفرنسية لكتاب الشيخ محمد عبده، موضوعه "العقيدة الإسلامية". يعود الشيخ مصطفى عبد الرازق بعد أربعة أشهر إلى فرنسا في تشرين الأول (أكتوبر) 1912. يصاب بحالة بسيطة من حالات السل الرئوي، ويدخل مستشفى للأمراض الصدرية في ليون 1914.

ينصرف الشيخ مصطفى لكتابة مذكراته، ومقالات تحت عنوان "صفحات من سِفر الحياة". لم تُنشر من مذكراته إلا بعضها، وتركها مخطوطة لأسرته بعد وفاته. ولم ينشر أخوه علي عبد الرازق تلك المذكرات. عاد الشيخ مصطفى مرة أخرى إلى مصر مع بداية الحرب العالمية الأولى 1914.

وكتب في مجلة "السفور" طوال أكثر من عامين. ولما قامت ثورة 1919، طلب سعد زغلول من الشيخ مصطفى عبد الرازق أن يشارك في الوفد المسافر إلى فرنسا، لعرض قضية مصر في مؤتمر فرساي.

صار الشيخ مصطفى عبد الرازق أستاذاً لكرسي الفلسفة الإسلامية في عام 1935، وظل في هذا المنصب حتى عام 1938، حين عُين وزيراً للأوقاف في وزارة محمد محمود باشا، ثم أُعيد تأليف وزارة محمد محمود، فبقي فيها وزيراً للأوقاف مرةً ثانية عام 1939، ثم تألفتْ وزارة حسن باشا صبري في عام 1940، فبقي أيضاً فيها الشيخ مصطفى وزيراً للأوقاف للمرة الثالثة، ووصل الشيخ مصطفى لتولي وزارة الأوقاف للمرة السابعة في حكومة محمود فهمي النقراشي عام 1945، وهو نفس العام الذي تولى فيه الشيخ مصطفى عبد الرازق منصب شيخ الجامع الأزهر، وتوفى الشيخ مصطفى في عام 1947.

كان الشيخ مصطفى من دعاة تحرير المرأة، ومن دعاة الديموقراطية، وكتابه الرئيس هو "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية"، والكتاب يشرح منازع الغربيين والإسلاميين، ومناهجهم في دراسة الفلسفة الإسلامية وتاريخها.

ويكشف الشيخ مصطفى كيف أن الباحثين الغربيين كأنما يقصدون استخلاص عناصر أجنبية في الفلسفة الإسلامية، ليردوها إلى مصدر غير عربي، ولا إسلامي، ليكشفوا عن أثرها في توجيه الفكر الإسلامي.

ويرى الدكتور عبد الرحمن بدوي، أن منهج الشيخ مصطفى في دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية، يتبع العقل الإسلامي في بساطته الأولى، واستشعار الفلسفة الإسلامية في أصول الفقه، ولهذا نرى الشيخ مصطفى يتبع "الرأي" أي الاجتهاد في الفقه.

ويُدخل الدكتور عبد الرحمن بدوي منهج الشيخ مصطفى في باب فلسفة القانون. تتلمذ الدكتور عبد الرحمن بدوي طوال أربع سنوات في كلية الآداب بالجامعة المصرية، على يد الشيخ مصطفى عبد الرازق، من عام 1934 إلى عام 1938.

كتب الشيخ مصطفى عبد الرازق في "مذكرات مسافر"، أثناء وجوده في فرنسا، تلك القطعة: حاولتُ إدراك القطار ثلاثة أيام متواليات، وهو يفوتني بسبب أن النوم يغلبني، وإذا كان النوم سلطاناً كما يقولون، فهو ألطف السلاطين استبداداً، وأخفهم على الروح تحكماً.

النوم أحسن لذات الحياة، تشترك الروح فيه والبدن. يقول ابن حزم: إن الإنسان يكدح في الحياة، ويجهد ليطرد الهم عنه. النوم ملجأ المكروبين، يخفف عنهم مرارة اليقظة، وهو صديق للسعداء، يقوي أعصابهم لاحتمال السعادة، ويدفع عنهم سأم استمرارها، ويصقل حواسهم للتمتع بها. ينجيك النوم من رؤية الثقلاء، ومن سماع الثقلاء، وينجيك من ثورة الشهوات والمطامع، وفوران الأحقاد والضغائن. النوم أحد الموتين، ونعمة الله فيه كبيرة.