محتج فلسطيني يلقي حجارة على القوات الإسرائيلية في غزة (أب)
محتج فلسطيني يلقي حجارة على القوات الإسرائيلية في غزة (أب)
الخميس 17 مايو 2018 / 20:41

دروس من غزة

استطاعت غزة المحاصرة والمنهكة أن تتصدر المشهد العالمي، وأن تجعل من احتفال عائلتي نتانياهووترامب في افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، تجمعاً لعنصريين بيض وصلوا من الظلام.

محاولات جعل الأمر كما لو أنه اعتداء "إسلامي" تقوده حماس لم ينجح أيضاً، وبدا في أفضل طبعاته بضاعة كاسدة يعرضها باعة يثيرون الشفقة

 لم تتمكن "الديبلوماسية الرثة" وأعضاء "الحملة التبشيرية"، الرثة أيضاً، التي ظهرت بقوة مع وصول فريق "ترامب" للبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي وإدارة الأمن القومي والبنتاغون، ولا "الإعلام التوراتي" الذي يبث من مكاتب وزارة الخارجية وغرفة نائب الرئيس والمستوطن الذي عين سفيراً لواشنطن في تل أبيب، لم ينجح في تحويل المقتلة على سياج غزة الى "إجاز أبيض" في مواجهة "إرهاب حماس"، كما يحدث عادة.

أعلام الغزيين وطائراتهم الورقية وأجسادهم المدماة ودخان الإطارات المحروقة وصلت "احتفال افتتاح السفارة"، وتسلقت على شراشف الموائد وزجاجات العصير وستارة اللوحة التي بدت كـ "وثن" يستدرج قرابين بشرية.

دماء الفتيان الفلسطينيين لطخت ثوب "إيفانكا" الأبيض وحزن الأمهات الجليل طغى على ضحكتها الشمعية، وهو ما سيرافقها منذ تلك الصبيحة، أنى ذهبت، كمصير قاتم لا خلاص منه.

"مسيرة العودة" كانت ستحدث، سواء رغبت "حماس" أم لم ترغب، سواء دعت "الفصائل" أم صمتت كعادتها بانتظار أن يتحرك الناس للقفز على أكتافهم، كما يحدث عادة في هذه البلاد.

"الحفلة" التي استعد لها الرجلان، الفاسدان، لتتحول إلى رافعة تبعدهما عن ملفات الفساد التي تحيط بهما، حولها الفلسطينيون إلى لائحة اتهام طويلة تبدأ بالقتل المتعمد.

محاولات جعل الأمر كما لو أنه اعتداء "إسلامي" تقوده حماس لم ينجح أيضاً، وبدا في أفضل طبعاته بضاعة كاسدة يعرضها باعة يثيرون الشفقة، حتى عندما تغيرت موجة البث، فيما يشبه اعتراف جاء على لسان الناطق باسم جيش الاحتلال " جوناثان كونريكوس" وهو يبرر للجالية اليهودية في نيويورك الفشل الذي أصاب كل "العملية"، تحدث عن "انتصار حماس" الإعلامي.

يبدو تصريح الناطق الإسرائيلي أقرب ألى "مصيدة مغفلين" يعرف جيداً أن كثيراً من الحمقى سيتلقفونها في الجانب الآخر، إذ إنها لا تعدو كونها تعزيزاً للفكرة الجوهرية في الحملة الإسرائيلية الأمريكية التي تروج لدور "حماس" في دفع الناس نحو السياج، ولكنها تأتي في سياق "اعتراف" بالهزيمة هذه المرة.

يمكن إطلاق أسماء كثيرة على المسيرة وستكون أسماء صحيحة، فهي قبل كل شيء "مسيرة المحاصرين" الذين تعايش العالم مع موتهم البطيء، وفي أنهم هناك في أقصى جنوب الساحل الفلسطيني، تحت حكم "الأخوان المسلمين" وأجهزة حماس، بالضبط بين "معبر إيريز" و"معبر رفح" المغلقين، وأنهم "هناك" منذ وقت يصعب تذكره، وأنه "الحصار" حدث لأسباب يصعب فهمها، بحيث تحول الجدل بين "المحاصرين، بكسر الصاد، والموافقين عليه بالصمت، حول البحث عن ممرات آمنة لإيصال الماء وشيء من الكهرباء والأدوية وبعض الوجبات وتركيب غرف متنقلة وخيام لبعض الذين دمرت بيوتهم، وبحيث بدا وصول قافلة من شاحنات الوقود لتشغيل محطة الكهرباء لأسبوع آخر حدثاً انسانياً يقتضي تهليل المشاهدين في الخارج وتدبيج الشكر في الداخل.

الحقيقة أن غزة استطاعت بعفوية عميقة أن تعيد ترتيب الأشياء، وأن تضيء بقوة على الغرف الداخلية التي يجلس فيها مستثمرو حصارها وصانعوه، ومدبجو الشعارات التي تغطي سماء المنطقة ببلاغة ممجوجة وحرص مزيف، وأخوة باهتة لا حكمة ولا روح فيها، وأفكار بهتت لكثرة استعمالها، من "محور الممانعة" المشغول بعد "صواريخه"، أو "جماعة المقاومة" الذين وصلوا بعد الناس وخلف مشافي الميدان، ونصبوا في الموقع كاميرات كثيرة، أو منظمة التحرير التي لم تنجح في تمرير قرار داخلي ضعيف لصرف رواتب ومخصصات غزة.