تفجير انتحاري في كربلاء.(أرشيف)
تفجير انتحاري في كربلاء.(أرشيف)
الجمعة 18 مايو 2018 / 13:53

كيف يمكن للعلماء المتخصصين وضع المتطرفين عند حدّهم؟

يرى الكاتب السياسي حسن حسن أنّ من بين ما يجعل المتطرفين يسبقون المؤسسات الدينية التقليدية إلى جذب الانتباه هو طريقتهم المختلفة في التفكير.

الفتاوى التي أطلِقت منذ عقدين تقريباً لتبرير الهجمات الانتحارية في أطر محددة هي أصعب على إلغائها اليوم ممّا لو تمّت مقاربتها في ذلك الوقت

 ويشرح هذا الأمر من خلال مقاله ضمن صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية إذ يشير إلى أنّ متطرفي الأيام الراهنة يميلون إلى استخدام التفكير البسيط والمباشر كي يصدروا توجيهاتهم الدينية. أمّا رجال الدين المنتمون إلى المدارس التقليدية فيجب عليهم مراعاة أفكار وقواعد أكثر تعقيداً أنشئت على مرّ القرون.

يطبّق المتطرف ما ينظر إليه كنصّ واضح على وضع معيّن للوصول إلى استنتاج. إنّ حاكماً يطبّق قوانين بشرية سيُحكم عليه بأنه مرتد لأنه بالنسبة إليهم، هنالك نص يقول إنّ من يحكم من خلال ما ليس من الله هو مرتد. بالنسبة إلى رجل دين متعلم، هذا التحليل هو ببساطة عبثي لأنّه يتخطى المعنى الأساسي للآية المذكورة ضمن سياقها، ويتخطى كذلك الإجماع الذي تمّ التوصل إليه عبر العصور. لكنّ القراءات الحرفية والتبسيطية و "الخارجة عن إطارها" يمكن أن تكون مقنعة لمن لم يتلقوا هذا التدريب.

معضلة اختلاف المنهجيتين

هذا الانفصال بين منهجيتي العلماء الذين تلقوا التدريب في الفقه الإسلامي من جهة والمتطرفين الذين يجعلون النصوص الدينية تناسب أهواءهم من جهة أخرى، يمثّل معضلة. فالمتطرف يستخدم منطقاً انتقائياً وتبسيطياً، بينما يميل التقليدي إلى التعامل مع هذا المنطق بازدراء العالم المتمرس. قد ينتج هؤلاء العلماء رأياً عاماً عن وجهات النظر المنحرفة لكنّهم نادراً ما يتعاملون مع الموضوع بطريقة مباشرة. يوضح حسن ذلك بالإشارة إلى أنّ هذا الموقف مكّن المتطرفين من الاستمرار في إصدار وثائق وكتب لا يكلّف رجال الدين المُمأسَسون أنفسهم عناء قراءتها فكيف بانتقادها. إنّ المنهجية التي يستخدمها المتطرفون في كتاباتهم مختلفة عن تلك التي يلجأ إليها العلماء الذين تلقوا تدريبهم في مؤسسات عمرها مئات السنوات. لكن أسلوب المتطرف بالوصول إلى الاستنتاجات يمكن أن يجذب بعض الفئات. لذلك إنّ ميل رجال الدين الممأسسين إلى الاكتفاء بمجرد تجاهل وجهات نظر المتطرفين يخلق فراغاً يفيد هؤلاء.

أمثلة من الواقع
مع مرور الوقت، يصبح التوجيه الديني لدى المتطرف والذي تُرك بلا نقد نظرة مقبولة. التفجير الانتحاري هو أحد الأمثلة. إنّ الفتاوى التي أطلِقت منذ عقدين تقريباً لتبرير الهجمات الانتحارية في أطر محددة هي أصعب على إلغائها اليوم ممّا لو تمّت مقاربتها في ذلك الوقت. يتم حالياً استخدام الفتاوى القديمة كأساس من أجل إنتاج آراء جديدة حول ما إذا كان يمكن استخدام التكتيكات الانتحارية ضدّ بعض الأهداف في مجتمعات مسلمة معيّنة. أحد الأمثلة هو الوثيقة التي تتألف من 579 صفحة وقد أصدرها المتطرف البارز المعروف باسم أبي عبدالله المهاجر. وتم التدقيق في هذه الوثيقة وبشكل شامل على يد محللين في مؤسسة كويليام البريطانية لمكافحة التطرف، ويتعين على رجال الدين السائدين في المجتمع تكرار هذا الجهد بحسب ما يدعو إليه حسن.

"فقه الدم"
إنّ الوثيقة التي جاءت تحت عنوان "فقه الدم" تقارب أسئلة يتعامل معها المتطرفون على أرض المعركة وفي الحياة اليومية. يشير حسن إلى كونه قد أوضح سنة 2016 أنّ الكتاب المعروف أيضاً باسم "مسائل من فقه الجهاد" هو واحد من أبرز الأعمال التي تلهم مجموعات مثل داعش. وكان الكتاب واحداً من بين "أفضل كتابين" لدى أبي مصعب الزرقاوي. إلى جانب كتابات أخرى، تبرر هذه الوثيقة العنف الدموي والقتل العشوائي عند المتطرفين. يجسد ذلك رؤية إرهابيي اليوم أنّه من الضروري إصدار أعمالهم الخاصة لتبرير وتعليم عقيدتهم وممارساتهم بدلاً من الاتكال فقط على كتب فقهية موجودة أساساً. يعود سبب ذلك إلى أنّ لديهم مقاربة مختلفة وأنّهم انتقائيون جداً في طريقة تفحص التعاليم الإسلامية.

توصياتهم تفضحهم
يمكن تأكيد ما سبق من خلال توصيات القراءة التي يصدرها متطرفو القاعدة وداعش على حد سواء. حتى عندما تتضمن هذه اللائحة أعمالاً راسخة، يوصي الإرهابيون بقراءة النصوص الأصلية بطريقة غير مباشرة كما يوصون بتفسير رجل دين إسلامي متطرف للكتاب الأصلي. إنّ الوثيقة التي سلط الضوء عليها محللو مؤسسة كويليام أصبحت النص الأساسي والتأسيسي للمتطرفين. يعني فشل رفض تلك الوثيقة مباشرة بعد ظهورها لأول مرة، أنّ قلة ستستمع اليوم لأي حجة تهاجمها لأنّ تأثيرها بات منتشراً جداً إلى حدّ يصعب تعقّبه وتقويضه. فبعدما استوعبتها، تمكنت التنظيمات المتطرفة من الذهاب أبعد من نطاق تلك الوثيقة.

ماذا عن الكتب التي تخلى مؤلفوها عن أفكارهم؟

يذكر حسن مثلاً آخر يرتبط بمنظّر الجماعات الجهادية سيد إمام الشريف الذي كتب وثيقة كبيرة مشابهة معروفة باسم "الجامع في طلب العلم الشريف" وهو من بين أكثر الكتب المقروءة لدى المتطرفين إن لم يكن أكثرها. حتى عندما تراجع عن بعض أفكاره في خليته داخل السجن عقب ثورة 2011 في مصر، استمر داعش في ذكر كتاباته مع الاعتراف ب "ارتداده". وقال مسؤول بارز في تنظيم القاعدة داخل سوريا إنّ الكتاب لا يزال العمل الأكثر تأثيراً لتجنيد المتطرفين داخل السجون. حتى ولو لم يعد يُنظر إلى الكاتب كسلطة في هذا المجال يمكن لكتابه أن يظل مؤثراً بنفسه لأنّه لم تتم إزالة المصداقية عنه.

لا يزال التطرف يتطور ومجموعات جديدة تظهر إلى الوجود بناء على وقائع وظروف جديدة تواجهها. لكن على الصعيد الجماعي، يمكن لخبرة وأفكار هذه المجموعات أن تبني ببطء مدارس فقهية قد تفرض نفسها بمفردها وتتحول إلى حركات كاملة. مع الوقت، سينشئ الفشل في فهم كيفية صياغة المجموعات المتطرفة وجهة نظرها والرد عليها بطريقة استباقية، ثقافة متطرفة متراكمة يصعب انتقادها من التيار السائد.