الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون.(أرشيف)
الإثنين 21 مايو 2018 / 13:18

أوروبا لا تستطيع تحمل مواجهة ديبلوماسية مع أمريكا

رأى المستشار والمعلق السياسي زيد بلباجي في مقال له بصحيفة "ذي اراب" نيوز السعودية أن القوى الأوروبية تسعى إلى تفادي انهيار الاتفاق النووي بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده منه.

ليس بإمكان أوروبا الاعتماد على روسيا أو الصين لتضمن أمنها. لدى المصارف والشركات الأوروبية تعامل اقتصادي مع الولايات المتحدة أكبر بكثير مما هو مع إيران

بالنسبة إلى الذين انخرطوا في المفاوضات قبل التوصل إلى الاتفاق، كان الإعياء والإرهاق أبرز المشاعر التي اعترتهم. فالبرنامج النووي الإيراني شكّل تهديداً كبيراً وكان المفاوضون الإيرانيون مراوغين. تنفس المجتمع الدولي الصعداء بعدما وعد الاتفاق بمجيء عقد من السلام على الأقل.

وكان هذا الاتفاق حاجة لصناع القرار في إيران التي بدأ اقتصادها ينهار بعد سنوات من العزلة.

كلّف البرنامج النووي الإيراني حوالي 160 مليار دولار من خسائر العائدات النفطية والاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب العقوبات.

ويصل الرقم إلى 500 مليار دولار عند تقدير كلفة الفرص الضائعة. بموجب الاتفاق، كسبت إيران أكثر من 100 مليار دولار من الأصول المجمدة في الخارج، وكانت قادرة على استكمال بيع النفط في الأسواق العالمية واستخدام النظام المالي العالمي للتجارة.

وعود ومنافع
مع مواجهة الاتفاق للمشاكل، سيتعرض الاقتصاد الإيراني والمصالح المالية الغربية للأذى. تنعكس هذه المخاوف من خلال النشاط المحموم لوزراء خارجية الدول الأوروبية الذين يحاولون إبقاء الاتفاق حياً.

وترافق انسحاب ترامب مع تعهد بإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران ستؤذي بلا شك السلام المبني بعناية بين طهران والمجتمع الدولي. منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ووزراء خارجية بريطانيا وفرنسا والمانيا الذين وقعوا على الاتفاق، حرصوا على إظهار التزامهم به أمام إيران. تريد القوى الأوروبية الحفاظ على التعاون الأوروبي من خلال وعود ديبلوماسية ومنافع اقتصادية.

خطة أوروبية
اعتبرت بروكسيل أنّ اتفاق 2015 كان إنجازها الأهم في السياسة الخارجية والذي يستند إلى إطلاق التعامل التجاري مع إيران في مقابل توقف الأخيرة عن حيازة أي إمكانية لبناء قنبلة ذرية. لقد كانت هذه التسوية هي التي أراد ممثلو أوروبا مناقشتها مع نظرائهم البريطانيين في بروكسيل يوم الثلاثاء. عقب اللقاء، وافق وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على خطة من تسع نقاط اقتصادية للإبقاء على الاتفاق النووي.

وافق بعض من في القيادة الإيرانية على الخطة التي تهدف إلى اعتراض المخاوف المالية في قطاع الأعمال والتحويلات المالية وانقطاعات محتلمة في إنتاج النفط والغاز. مع أزمة الريال الإيراني، يأتي العرض الأوروبي في وقت مناسب. لقد انخفضت العملة إلى مستوى قياسي مقابل الدولار في اليوم التالي على إعلان القرار الأمريكي.

انخراط ثنائي
على الأوروبيين أن ينخرطوا مع كلا الجانبين من دون أن يسببوا تدهوراً في العلاقة المضطربة أساساً مع إدارة ترامب. لقد كانت الولايات المتّحدة غالباً في تناقض مع حلفائها الأوروبيين منذ تعيين جون بولتون مستشاراً لشؤون الأمن القومي. من بين الأسباب التي دفعت ترامب إلى رفض الاتفاق النووي هو عدم شموله البرنامج الصاروخي البالستي وتدخلات طهران في نزاعات الشرق الأوسط. كما لم يشمل أيضاً طبيعة العلاقات التي ستبرز بعد نهاية قيوده سنة 2025.

ضمانات
في الوقت نفسه، أبدى رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالح تشاؤمه حول الانفتاح الأوروبي وحذّر من أنّ بلاده مستعدة لتخصيب اليورانيوم على "نطاق صناعي" و "من دون أي قيود". في هذا الإطار، سيكون على أوروبا تأمين ضمانات صلبة لطهران بأنّها ستكون قادرة على الاحتفاظ بالمنافع الاقتصادية التي كسبتها من الاتفاق النووي بغضّ النظر عن إعادة فرض واشنطن للعقوبات.

لقد أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للمرة الثانية خلال سنة أنه لم يعد بإمكان أوروبا الاعتماد على الولايات المتحدة، وهو شعور تنامى في القارة منذ بدأ ترامب رئاسته. لكن بسبب حجم المخاطر الأمنية التي تواجهها أوروبا، لا تستطيع تحمل مواجهة ديبلوماسية مع الولايات المتّحدة.

مصالحها مع أمريكا

ليس بإمكان أوروبا الاعتماد على روسيا أو الصين لتضمن أمنها. لدى المصارف والشركات الأوروبية تعامل اقتصادي مع الولايات المتحدة أكبر بكثير مما هو مع إيران. ومع رغبة روسيا بتقسيم وإضعاف التحالفات الغربية، على الديبلوماسيين الأوروبيين السعي إلى تحسين العلاقات مع واشنطن.

إن انهياراً كاملاً للاتفاق لن يؤدي فقط إلى تزايد احتمال توسيع إيران لبرنامجها النووي بل سيشجعها على الاستمرار بتدخلها في شؤون المنطقة. ويذكر بلباجي أخيراً بأن أوروبا يمكن أن ترشد الولايات المتحدة حول إيران، لكن لا يمكنها الافتراض بأنها قادرة على قيادتها وهذا ما سيقوض العلاقة العابرة للأطلسي.