الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.(أرشيف)
الثلاثاء 22 مايو 2018 / 20:53

قوة أردوغان وحزبه في ضعف المعارضة

ويزيد الأمر صعوبة على المعارضة، بالإضافة إلى ضعفها المزمن في وجه الحزب الحاكم، إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في يوم واحد هو 24 يونيو (حزيران) المقبل، وتركيزها على إسقاط أردوغان

احتمال قيام انقلاب عسكري في تركيا شبه معدوم في الفترة القريبة المقبلة، بعد فشل آخر انقلاب عسكري في 15 يوليو (تموز) 2016، لكن الانتخابات النيابية والرئاسية المتزامنة جعلت بعض القوميين اليمينيين الأتراك، واليساريين، يتحدثون عن انقلاب سياسي لدوافع اقتصادية، وليس عن انقلاب عسكري.

سند هؤلاء ضعيف، كون ضعف الليرة التركية الذي يحمل ملامح الانهيار، دون أن يكون كذلك، تُكذِّبه أرقام نمو الاقتصاد وزيادة الصادرات، ولأن أرقام التضخم ليست في منطقة كارثية، وإن كانت أكلت جزءاً مهماً من دخل المواطن التركي. لكن الحكومة خففت من آثار التضخم بمحافظتها على نسبة مستقرة من البطالة، ورفعها الحد الأدنى للرواتب، ما ساهم مسبقاً في تخفيف آثار انخفاض الليرة التركية على المواطن التركي، بينما ازداد القلق في أوساط المستثمرين الأجانب.

الانقلاب السياسي المتوقع قد يأتي من نتائج الانتخابات النيابية، وليس من من نتائج الانتخابات الرئاسية المحسومة سلفاً، لأن خمسة مرشحين يتنافسون فيها، ثلاثة منهم على يسار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واثنان عن يمينه.

والمرشحون على يسار أردوغان محرم إينجه ممثلاً لحزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشنار عن حزب الخير، وتيميل كرم الله أوغلو عن حزب السعادة؛ أما على يمينه فيأتي صلاح الدين دمرتاش عن حزب الشعوب الديمقراطي، ودوغو برينتشيك عن حزب الوطن، كون العدالة والتنمية مصنف في يمين الوسط، مثل معظم الأحزاب التركية التي حققت النجاح في السياسة والتنمية في تركيا، وواجهت انقلابات عسكرية، سواء أكانت ذات خلفية قومية إسلامية، أم قومية علمانية.

الخريطة الانتخابية لمرشحي الرئاسة، عدا الرئيس، تشير إلى امتلاك حزبين منهم تمثيلاً في البرلمان التركي الذي يتبع قاعدة النسبية في الانتخابات، هما محرم إينجه، وصلاح الدين دمرتاش. ومن غير المحتمل أن يدخل حزبا السعادة والوطن إلى البرلمان، حتى بعد رفع عدد مقاعد البرلمان من 550 مقعداً إلى 600 مقعد، ليبقى الاحتمال أن تبقى الأحزاب الأربعة نفسها في البرلمان: حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الحركة القومية.

ونتائج آخر انتخابات نيابية، في الإعادة، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أشارت إلى حصول الأحزاب الأربعة على النتائج التالية، على التوالي 317 – 134 – 59 – 40 مقعداً. ومن حيث عدد الأصوات الشعبية ونسبتها، حصل الحزب الحاكم على نسبة 49.49 في المئة من أصوات المقترعين، تلاه حزب الشعب الجمهوري بنسبة 25.31 في المئة، ثم حزب الحركة القومية بنسبة 11.9 في المئة، وأخيراً حزب الشعوب الديمقراطي بنسبة 10.76 في المئة من الأصوات.

الآن، تصريحات مسؤولي الأحزاب المنافسة لأردوغان تكشف سعيها في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية للدفع إلى خوض جولة انتخابات ثانية في أحسن تقدير. هدف هذا المسعى غير المعلن تشتيت الأصوات لمنع أردوغان من الحصول على أكثر من خمسين في المئة من الجولة الأولى، وبالتالي اصطفاف القاعدة الشعبية لأربعة أحزاب على الأقل خلف أحد اثنين متوقع وصولهما إلى الجولة الثانية، إينجه، أو أكشينار.

قد يحصل ذلك، لكن الأهم هو الانتخابات النيابية، وهي الأسهل إذا كانت الأحزاب المعارضة تريد تحقيق اختراق يمنع العدالة والتنمية من استمرار حكمه المنفرد منذ عام 2002، وهذه المرة سيتشارك العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية في الحكومة، إذا سارت الأمور كما خطط لها الحليفان، وكما يتمنيان. وهو ما قد يتيح للمعارضة تشكيل حكومة حتى لو كان الرئيس المقبل هو أردوغان، ما يعني وضع العصي في عجلات الرئيس، والتمهيد لإدخال تركيا في أزمة صراع سياسي يحد من إمكانية استمرار تفرد أردوغان وحزبه بحكم البلاد.

واختراق المعارضة للنتائج البرلمانية يأتي من كون الحركة القومية منافس للعدالة والتنمية في الانتخابات النيابية، على عكس اتجاه الحركة القومية في دعم فوز أردوغان في الرئاسة، ما يعني مساعدة الأحزاب المعارضة الأخرى في انتزاع مقاعد نيابية من العدالة والتنمية.

وتبدو حصة حزب الشعب الجمهوري ثابتة في المركز الثاني بعيداً جداً من العدالة والتنمية، وبعيداً نسبياً من الثالث حسب جولة الإعادة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وهو حزب الشعوب الديمقراطي.
بالنسبة للحزب الأخير، فهو يخوض الانتخابات دون حلفاء، ورئيسه صلاح الدين دمرتاش في السجن يواجه تهمة الإرهاب التي قد تكون نتيجتها الحكم عليه بالسجن 142 عاماً، لكن القاعدة الكردية الأساسية للحزب قد تبقيه في البرلمان إذا كررت دعمها له بالحصول على عشرة في المئة من الأصوات على الأقل، مع احتمال أن ينهار هذا الافتراض متأثراً بشراسة الحملة ضد الحزب الداعم للحركة الكردية في تركيا من معظم الأحزاب التركية، وقواعدها الشعبية.

القراءة الأولية والأكثر احتمالية للتوقعات هي فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية حتى عام 2023، وهي الولاية الثانية له توالياً، والأخيرة، حسب الدستور التركي، إلا بعد مجيء رئيس جديد للبلاد في العام المذكور.

ويزيد الأمر صعوبة على المعارضة، بالإضافة إلى ضعفها المزمن في وجه الحزب الحاكم، إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في يوم واحد هو 24 يونيو (حزيران) المقبل، وتركيزها على إسقاط أردوغان في الجزء الرئاسي من الانتخابات، فيما يبدو استسلاماً لنتائج الانتخابات النيابية المحسومة نظرياً لصالح الحليفين.

وفشل المعارضة المتوقع سيقع على حزب الشعب الجمهوري تحديداً، ما يُذكَّر بفشلها وفشله السابق في انتخابات عام 2014. لكنها هذه المرة لم تستطع حتى تقديم مرشح منافس واحد في وجه خيار الأحزاب الثلاثة (العدالة والتنمية، والحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير)، وهو الرئيس الحالي. وقبل أربع سنوات، في أول انتخابات رئاسية تركية مباشرة من الشعب، اتفقت كل الأحزاب التركية المعارضة على مواجهة أردوغان بمرشح منافس هو أكمل الدين إحسان أوغلو، لكن هذا الخيار فشل حتى في جر الانتخابات إلى جولة ثانية، بعد فوز أردوغان بنسبة 52 في المئة من الأصوات مقابل 38 في المئة لإحسان أوغلو، وعشرة في المئة لدمرتاش، عندما صوتت قواعد حزب الحركة القومية لمصلحة المرشح إحسان أوغلو.