من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.(أرشيف)
من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.(أرشيف)
الثلاثاء 22 مايو 2018 / 21:01

الباقي من حلم العودة

نبرة الخجل واضحة في الخطاب الذي يستخدمه "نشطاء" هذا الحراك وهم يحاولون إقناع الشارع "المخيماتي" بصواب طرحهم من خلال اللعب على الألفاظ

يحاكي الحراك الشبابي الفلسطيني المطالب بفتح أبواب الهجرة من لبنان ظواهر مكشوفة وأخرى بحاجة لإعادة اكتشاف على ضوء التطورات السياسية والاجتماعية التي تعيشها "قبيلة اللاجئين" الخارجة من اهتمامات القيادة الفلسطينية والإقليم والمجتمع الدولي.

نبرة الخجل واضحة في الخطاب الذي يستخدمه "نشطاء" هذا الحراك وهم يحاولون إقناع الشارع "المخيماتي" بصواب طرحهم من خلال اللعب على الألفاظ والمفاهيم لصياغة معادلة عرجاء تنسجم فيها ضرورات الحصول على لجوء بظروف أفضل من ظروف لجوئهم الحالي مع حق العودة إلى الأراضي الفلسطينية في وقت لاحق.

بالدرجة الأولى يعود حرج هؤلاء الشباب إلى تضارب طرحهم مع موروثات الوعي الذي راكمته أجيال اللاجئين الفلسطينيين منذ النكبة الأولى في النصف الثاني من أربعينيات القرن الفائت والتي تقوم على أن العودة مكمن حل الأزمات الحياتية المركبة الناجمة عن صعوبة العيش وانتهاك الكرامة الإنسانية.

يزيد من هشاشة مبرراتهم ـ أمام مجتمع اللاجئين المسيّس بفعل واقعه ـ تراجع نغمة العودة في خطابهم خلال طرقهم أبواب السفارات ولقاءاتهم مع الدبلوماسيين الغربيين لتطغى رغبة الفرار من الجحيم الشرق أوسطي.

ويتطلب التقرب من الدبلوماسيين الغربيين لإقناع الآخر الغربي بالمظلومية توجيه إدانات لفصائل العمل الوطني والجمعيات واللجان العاملة في المخيمات وانتقادات للطرق والأساليب التقليدية التي تتبعها في عملها مما أحدث حالة من الامتعاض لدى الواجهات السياسية والاجتماعية في مخيمات اللاجئين.

اللافت للنظر أن محركي الحراك والمشاركين فيه لا يمتلكون جرأة ودوافع ضحايا الحرب السورية من الفلسطينيين الذين ركبوا "البلم" من الشواطئ التركية وغيرها كما فعل اللاجئون السوريون، لكن عدم توفر الجرأة وذات الدوافع لا يعني غياب ما يستدعي طرح فكرة الهجرة من مخيمات لبنان حيث ظهر جيل جديد من خريجي وطلاب الجامعات الذين يطمحون لكسر متوالية الفقر والبطالة المزمنة في مخيماتهم و لا يجدون أفقاً وعملاً.

لم تبدأ هجرة اللاجئين الفلسطينيين من لبنان بهذه الحراكات. ففي الأرقام والإحصاءات الأخيرة ما يفيد بارتفاع الخط البياني للتسرب إلى بلدان لجوء أخرى وتحول الحرب الأهلية اللبنانية ومنعطفات الصراع الداخلي الفلسطيني وصعوبات توفر العمل إلى محركات للبحث عن منافٍ تتيح الحصول على حق المواطنة. ولعل الفارق بين الهجرتين ـ الفردية المعتادة والجماعية المطالب بها ـ ظهور آليات تطويع ذهني لإحداث قطيعة مع حلم العودة مما يمس جوهر فكرة ظهور منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية التي قامت على هذا الحلم.

توجد تداعيات انشغال القوى السياسية الفلسطينية بصراعاتها وتجزئتها قضية شعبها إلى قضايا يتم إهمال الجوهري منها وتأجيله من أجل مكاسب آنية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ظروفاً مختلفة عن التي خدمت العمل الوطني الفلسطيني في مراحله السابقة مما يمهد لمتغيرات جديدة ظهرت بوادرها بين فلسطينيي لبنان باعتبارهم ترمومتراً لتحولات المجتمعات الفلسطينية وقد تفوق هذه المتغيرات انكفاءات معظم الضفة الغربية عن بقية مناطق تواجد الفلسطينيين وتحولها إلى اماكن طاردة للسكان بفعل إدارتها الملتبسة بين السلطة والاحتلال.