الأديب الأمريكي الراحل فيليب روث (أرشيف)
الأديب الأمريكي الراحل فيليب روث (أرشيف)
الأربعاء 23 مايو 2018 / 17:15

أفضل وأهم أديب أمريكي.. العملاق فيليب روث.. عوالم رفيعة مثيرة للجدل

24 - سالي حسان

رحل الثلاثاء، أحد أهم وأبرز الكتاب في العالم، فيليب روث (19 مارس 1933)، عملاق الأدب الأمريكي الشهير المثير للجدل، عن عمر 85 عاماً، وبعد توقف لسنوات في عزلة عن الكتابة، ولكنه بقي أفضل كاتب أمريكي في السنوات الخمسين الأخيرة رغم ذلك.

وروث الأديب الذي فاز بأغلب الجوائز الأدبية الشهيرة، مثل البوليتزر 1997، و لمرات متعددة جائزة فولكنر، وجائزة الكتاب الوطني، والجائزة الأمريكية القومية للكتاب والرواية، وغيرها الكثير، مما تحول لأعمال سينيمائية وتلفيزيونية ومسرحية، إلخ، صاحب أكثر من 30 رواية حزن تقديراً عالمياً، وإن أثرن الجدل.

الوصف الجنسي.. اليهود
هذا الجدل جاء كون روث تميز بصراح غير عادية، وتعرضه لشخصياته اليهودية بصور كوميدية مريضة، تكشف عن نفسها من خلال علاقات جنسية شرعية وغير شرعية، صحيحة ومرضية، وقد وصفه البعض بأنه يهودي كاره لنفسه وليهوديته كون أن قصصه دارت حول الصراع الحاد الذي يدور داخل الأمريكيين اليهود بين ميراثهم اليهودي (اليديشي) من جهة، وجاذبية الحضارة الأمريكية (المسيحية) والعلمانية التي يعيشون فيها من جهة أخرى، وأجاب هو : "هذا ما كان لدي ككاتب يهودي شاب، وذلك الشعور جاء لأن النماذج التي أطرحها ليست ما يتوقع ويرضى عنه".

حظي روث الشهرة والنجاح منذ عمر 27 عاماً، مع بدايات عام 1959، بعد نشره "وداعاً كولومبوس"، التي وصفها النقاد بالتحفة الفنية، والتي تحدث فيها روث عن قصة حب صيفي بين شاب يعمل أمين مكتبة وفتاة في منتصف العشرينات،، وهي صورة عن الحياة اليهودية الأمريكية والذي حصل بها على جائزة الأمريكية القومية للكتاب والرواية، واتهم وقتها بمعاداة السامية، الأمر الذي تكرر لسنوات نظراً لطرح روث الواقعي والمباشر، ولسوء الفهم حول أبعاد المسألة اليهودية، وفي العام 1969 عاد بقوة للواجهة بفضل كتاب "بورتنويز كمبلاينت" الذي أثار ضجة كبيرة بسبب الوصف الجنسي الفاضح وطريقته بتناول الوضع اليهودي.

وقال في مقابلة له عام 2011: "كنت غاضباً للغاية من أولئك اللذين هاجموني، ولازلت بانتظار اعتذار، لكني أعرف أني سأنتظر كثيراً".

المخيلة.. أمل الحياة

هوجم روث وتعرض لعاصفة من الإشاعات واتهمه البعض أنه يكتب عن نفسه وعائلته وعلاقات الغرامية في شخصيات رواياته، الأمر الذي نفاه روث بحزم، وقال :"الكتاب الحقيقيون هم كذلك، لأنهم يملكون ما لا يملكه الآخرون، المخيلة".

ومن أهم قصصه "المدافع عن العقيدة"، و "تحوُّل اليهود عن عقيدتهم" (1962)، و"درس التشريح" (1983 وروايات، مثل: "حينما كانت خيِّرة" (1967)، و"عصابتنا" (1971)، و"الرواية الأمريكية العظمى" (1973)، و "قراءة نفسي والآخرين" (1975)، و "أستاذ الرغبة" (1977)، ومن رواياته أيضاً "رواية الحياة المضادة" (1986) حيث يستكشف معنى حياة اليهود في إسرائيل وخارجها و"عملية شيلوك" (1992).

ويرى النقاد أنه اعتبر من كبار أدباء الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الطابع العالمي لرسالته، كما أنه تمكن على الدوام من المحافظة على انتاج غزير بمستوى رفيع جداً، واشتهر أيضاً بثلاثيته السياسية "أمريكان باستورال" و "آي ماريد ايه كومونيست" (1998) و"ذي هيومن ستاين" (2000).

منذ عام 2014 كان روث يسعى للابتعاد عن الحياة العامة، وبقي مصراً على اعتزال الكتابة، وقضى وقته في مراقبة الطبيعة والسباحة ومشاهدة البيسبول، منتظراً الموت بهدوء، إلا أنه أعلن في مقابلة سابقة له أمله بالحياة حتى عام 2022 ليقرأ سيرته الذاتية، التي يعمل عليها الكاتب الأمريكي الشهير بليك بايلي.

الدفء.. العزلة

يقول النقاد أنه ليس لروث مريدون بالمعنى الحرفي، إذ يبدو أنّ مجايليه ومنافسيه على عرش الرواية الأميركية، كتوماس بنتشن ودون ديليلو وكورماك مكارثي أكثر حضوراً عند كتّاب الأجيال اللاحقة، مثل جوناثن فرانزن، وديفيد فوستر والاس، ربما كان لنرجسيته السبب في هذا، وربما كان ذلك بسبب التنوّع المذهل والتطوّر المتلاحق والعوالم المتباينة في روايته، بحيث أقصى نفسه عن تكوين "مدرسة أسلوبيّة"، وبقي أكثر هدوءً وعزلة في كل عام من حياته.

وعن عزلته في عمله والتي هي طبيعة لكثير من الكتاب، قال: "في أول خمس سنوات كان ذلك جيداً، ثم لعشر سنوات، بقي جيداً، ثم أخذ يصبح سيئاً، تشعر برغبة ما للدفء الإنساني".

"نايثان زوكرمان"..اللطخة البشرية
ومن أهم محطات تاريخ روث الأدبي، ابتكاره لشخصية أحبها جمهور عريض، عن كاتب باسم "نايثان زوكرمان"، الذي ظهر في رواياته على مدى ثلاثين عاماً، عبر عن "العواقب الخفية للفن"، بحسب ما قال روث، الذي وصف بطله "إنه صحفي، شيوعي، ممثل، رجل مخيل، رجل ذكي"، وربما من أبرز ما عبرت عنه الشخصية، هو كيف يمكن لرجل أن يخسر مهنته وحياته بسبب نفاق المجتمع ومعاييرهم المزدوجة ضده دون قصد منه، من وحي ما حدث للرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وأبدع الممثل الشهير أنتوني هوبكينز في فيلم اتهم فيه البطل المعلم الذي لعب دوره بالعنصرية، بعد أن قال عن طالبين غائبين عبارة فهمت خطأ، ليضطر لترك الجامعة بسببها، وهي رواية شهيرة لبوث "اللطخة البشرية" (هيومان ستين)، وعبرت عن أزمة أخلاقية للمجتمع.

واعتبر بعض النقاد أن شخصياته الأنثوية كانت سلبية، أو غير مكتملة، في أعماله هذه، وهو ما رد عليه روث: "هذه ترهات، ويقول البعض أغبى الأشياء وهذا أحدها".

الحقيقة التي لا تتغير
وواجه هذا الأديب الموت بطبيعة الحال في عمله وحياته، وقال عنه: "موت أصدقائي جاء لي كواقع صعب، لا نحتاج بالطبع لتذكيرنا بفكرة أننا سنموت، لكن هذه الأحداث قوية جداً، حين يرحل هؤلاء الأشخاص الذين عرفتهم بحيويتهم وانطلاقهم، ثم يأتي الاختفاء، الرحيل".

ويضيف: "تغلغل هذا الموضوع في عملي مثل رواية (إفري مان)، و (ذا دايينج أنيمل) و (إكسيت غوست)".

ويعتبر روث أديباً أعطى الأمريكيين صورة متكاملة عما كانوا عليه، وما أصبحوا عبر الزمن، وتغيرات مجتمعه الهائلة، ويقول روث: "التغيرات الراديكالية هي طبيعة الحياة الأمريكية في الواقع، هذه الحقيقة فقط لا تتغير".

حين سئل روث في مقابلات له عما إذا كان يرغب بقول شيء لم يسبق له قوله في العلن، كان يجيب: "لا، لأن كل ما أريد قوله موجود في أعمالي الأدبية، وتلك هي الطريقة الوحيدة التي أعرف فيها كيف أعبر عن الأمور، وكل ما يجب قوله".