الزعيم الكوري الشمالي كيم جونع أون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونع أون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.(أرشيف)
الأربعاء 23 مايو 2018 / 20:30

الأمزجة وإنهاء النزاعات

الأمزجة الشخصيّة الحادّة وتضاربها ليست الدواء الذي يتأدّى عنه إنهاء النزاعات، بما فيها تلك التي تطال البقاء والفناء لملايين البشر

حين يكون القرار الاستراتيجيّ الكبير محكوماً بشخصيّتين كدونالد ترامب وكيم جونغ أون، يصعب على المراهنين أن يراهنوا على شيء. التحليل العقلانيّ يجفل وينتكس. المزاج يبدو السيّد المطلق الذي يتحكّم بمجريات الأمور.

ما الذي حدث؟

في مطالع هذا العام أبدى الرئيس الأمريكيّ موافقته على دعوة وجّهها زعيم كوريا الشماليّة لإجراء مفاوضات مباشرة بينهما. دول كثيرة كانت تعمل في الظلّ للتوصّل إلى نتيجة كهذه، لكنّ الصين وكوريا الجنوبيّة، ومن بعدهما اليابان، كانت أكثرها دفعاً في هذا الاتّجاه. هذه جميعاً، وعلى رغم اختلافاتها، يجمع بينها السعي إلى آسيا مسالمة، يكون سلاحها النوويّ قابلاً للضبط في أيدي "الكبار" وحدهم.

الارتياح، بل الفرح، عمّ العالم: لقد استؤصل خطر نوويّ لا يهدّد تلك القارّة فحسب، بل يصل إلى أطراف الولايات المتّحدة نفسها.

زيارة كيم عبر البرّ إلى الصين ولقاؤه الرئيس الكوريّ الجنوبيّ مون جاي إن صبّا في وجهة التفاؤل الجديد بعد سنة من التهديدات والشتائم السياسيّة والشخصيّة المتبادلة.

تتويج هذا التفاؤل كان الإعلان عن قمّة موعودة بين ترامب وكيم تنعقد يوم 12 حزيران (يونيو) المقبل في سنغافوره.

صحافيّون من أربع رياح الأرض بدأوا يتهيّأون للرحلة الشاقّة داخل كوريا الشماليّة وفي أعلى هضابها لمشاهدة تدمير موقع التجارب النوويّة. فوق هذا، سيكون اللقاء العتيد الأوّل الذي ينعقد بين رئيس أمريكيّ وزعيم كوريّ شماليّ.

لكنْ لا! فتعدّد الأصوات وتضارب خططها داخل الإدارة الأمريكيّة فعل فعله مرّتين على الأقلّ: في الأولى، أُعلن عن مناورات عسكريّة مشتركة سوف تُجرى بين الجيشين الأمريكيّ والكوريّ الجنوبيّ. الشماليّون، الذين يتحكّم بهم رُهاب العالم الخارجيّ و"مؤامراته"، اعتبروا الخطوة استفزازيّة، بل تمريناً على غزو بلدهم. في المرّة الثانية، صرّح المستشار الجديد للأمن القوميّ الأمريكيّ جون بولتون، المعروف بتشدّده وفظاظته، أنّ "النموذج الليبيّ" هو الذي سيُعتمد في علاج الأزمة مع كوريا الشماليّة. الأخيرة فهمت هذه الإشارة على النحو التالي: لقد سلّمت ليبيا سلاحها النوويّ في 2003، كان ذلك استسلاماً استباقيّاً يقدم عليه معمّر القذّافي تفادياً لأجواء الغضب الأمريكيّ التي أعقبت جريمة 11 أيلول (سبتمبر) 2001. لكنْ لاحقاً، وفي ظلّ تدخّل أطلسيّ في ليبيا، انتهى القذّافي نفسه مقتولاً كما تُقتل الفئران المذعورة.

ترامب حاول أن يخفّف من الأضرار التي تسبّب بها كلام مستشاره بولتون. المحاولة بدت للكوريّين الشماليّين متأخّرة وغير مقنعة.

كيم جونغ أون، الذي يحكم بلده بمفرده وبمزاجه العجائبيّ، أحجم وتراجع عمّا كان قد تعهّده قبلاً. قال إنّ القمّة "قد لا" تُعقد في ظلّ هذا الإصرار على استسلام "من طرف واحد".

البُلدان التي توسّطت، مباشرة أو مداورة، بين الطرفين، حرّكت ديبلوماسيّتها مجدّداً. هكذا، مثلاً، انعقدت قمّة طارئة في واشنطن بين ترامب ومون جاي إن حاول فيها الأخير إقناع الأوّل بإعادة الحياة إلى المسعى السلميّ ودفعه مجدّداً إلى نهاياته. القمّة انتهت بإعلان ترامب أنّ لقاءه مع كيم قد يؤجّل! الكلام على شيء من الغموض. المؤكّد أنّ خطوة إلى الوراء قُفزت.

سيكون من الصعب التكهّن بالمطاف الذي ستحطّ عنده هذه التجربة. لكنْ لن يكون من الصعب استقراء النتيجة الأبرز التي نمّت عنها، بما انطوت عليه من التواءات وتعرّجات: إنّ الأمزجة الشخصيّة الحادّة وتضاربها ليست الدواء الذي يتأدّى عنه إنهاء النزاعات، بما فيها تلك التي تطال البقاء والفناء لملايين البشر.