محمد صلاح.(أرشيف)
محمد صلاح.(أرشيف)
الجمعة 25 مايو 2018 / 23:38

محمد الفاتح

أمام قدرة صلاح الفائقة على كسب قلوب الغربيين، بدا الحديث "ضائعاً" مع أولئك الذين نصبوه ممثلاً عنهم للإسلام في القارة العجوز

كنت أعتقد أن مآثر النجم محمد صلاح ستتوقف عند ما يبدعه فوق أرضية الملعب، أو حتى عند أعماله الخيرية في قرية نجريج التي ينتمي إليها. لم أتصوّر يوما بأنه سيضم –ولو بدون قصد- إلى لائحة إنجازاته هداية الناس إلى الصراط المستقيم!

فيزعم أخونا عبدالحميد، وهو القائم على أقدم مساجد ليفربول، في فيلم وثائقي عن الدولي المصري بأن "المزيد والمزيد من الأشخاص باتوا يزورون المساجد، ويحضرون صلوات الجمعة، فقط بسبب تواجد محمد صلاح هنا"، إذ يُنسب إليه –والله أعلم- ارتفاع أعداد المُصلين في مساجد المدينة خلال السنة التي قضاها بالقميص الأحمر.

كمسلمة، لن أنكر بأن قلبي قد امتلأ بالدفء، وعيناي قد اغرورقتا بالدموع، حين شاهدت الأطفال الشقر يسجدون تقليداً لاحتفالية صلاح بأهدافه. لقد أدركت حينها بأن هذا العربي عذب الابتسامة قد استطاع اختراق حيطان التطرف والعنصرية والزينوفوبيا بتسديدته الدقيقة، ووضع كرة المحبة والتسامح "في التسعين"، كما يقول التعبير الكروي الشهير.

وأمام قدرة صلاح الفائقة على كسب قلوب الغربيين، بدا الحديث "ضائعاً" مع أولئك الذين نصبوه ممثلاً عنهم للإسلام في القارة العجوز.

لم أعد أرى جدوى من تذكيرهم بأن الإسلام بعظمته لا يمثله أحد على وجه التحديد من المليار شديدي التباين والتنوّع الذين يعتنقونه، وإلا تُرك الحبل على الغارب لأن يتم اختيار أبوبكر البغدادي وأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي أيضاً كممثلين له أمام الغرب.

ولكني لن أتعب من سؤالهم بأي حق بات ظهر صلاح الذي يحمل الرقم 11 الشهير مستباحاً لهم ليحمّلوا عليه أيضاً الوزر الجسيم لتمثيل الدين؟ أي ضوء أخضر منحكم إياه كي تصيّروه سفيراً رغماً عن إرادته –العلنية، على الأقل- للدين في الغرب؟ ومتى تطوّع "أبو مكة" لينشر تعاليم الإسلام في بلاد "العمة إليزابيث"؟

فماذا لو قرر هذا اللاعب المعروف بلطافته وتواضعه الشديدين أن يكون بشراً خطّاء ذات يوم، وشاباً أحمق مثل أي عشريني منا، فتبدر منه سقطة غير مستحبة داخل أو خارج المستطيل الأخضر؟ هل سيظل حينها الممثل الحي لدين يبلغ من العمر 1400 عام؟ وهل سيتغاضون حينها عن مانشيت صحيفة "ديلي ميرور" البريطانية إذ سينقلب 180 درجة عن المانشيت الحالي الذي يقول "المهاجم محمد صلاح يحسّن صورة الإسلام"؟

أتيقّن فيما أكتب هذه الأسطر بأنه لا جدوى فعلية من أسئلتي الافتراضية، ففي نهاية المطاف، كل ما أريد الإشارة إليه حقاً هو الشعور الخفي باليأس والصغار الذي صار يتخللنا، فيجعلنا لا شعورياً نعلّق بحثنا المحزن عن أيقونة، وقدوة، وواجهة براقة، في عنق شاب يبلغ من العمر 25 سنة، لم يكن يرغب سوى في لعب الكرة، و"أكل عيشه" بقدميه.

لنكن جميعاً أفضل ممثلين للإسلام، فربما بات علينا أن "نعتق" صلاح في سبيل الله، وندعه ليحيا متخففا من أوزارنا وأوزار متطرفيننا.