الرئيسان الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين (أرشيف)
الرئيسان الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين (أرشيف)
الأربعاء 30 مايو 2018 / 21:18

روسيا وإيران: إذا صح ذلك

بات من شبه المؤكد أن روسيا باتت تضم صوتها إلى المطالبين بخروج إيران وميليشياتها من سوريا، أو أقله من المنطقة الحدوديّة السورية الإسرائيليّة.

ماذا ستقول إيران في تبرير انسحابها، بعد كلّ ما تكبّدته في سوريّا، من دون أن تحصل على أيّة مكافأة؟

ما كان ينسب إلى الروس على سبيل التقدير والتكهن، صارت موسكو تقوله بلسان مسؤوليها. وما كان يقال مداورة صار يقال بكثير من المباشرة.

الأنباء، مثلاً، تحدثت عن "صفقة بين موسكو وواشنطن وعمان في طورها النهائي، بما يضمن تلبية تطلعات إسرائيل لإبعاد إيران من حدودها، وتعزيز مكاسب النظام السوري قبل الانخراط في عملية سياسية تستعجلها روسيا".

الصحف الإسرائيلية تحدثت بدورها عن أن بشار الأسد نفسه بات مستعداً "لضمان ابتعاد حزب الله والقوات المدعومة إيرانياً 25 كيلومتراً عن الجولان المحتل، إضافةً لاستعداده لمناقشة إعادة إحياء اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974".

وهذا ما يفسر زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى روسيا، كما يفسر، من ناحية أخرى، التصعيد الذي شهدته غزة عسكرياً، إذ ربما فكرت طهران في الدخول من شباك "حماس" في غزة استعداداً منها لما بعد إغلاق الباب السوري.

والحال أنه منذ بداية التورط الروسي في الحرب السورية عام 2015، بدا أن المشروعين الحليفين ليسا من جنس واحد.

فبالنسبة إلى طهران، هي معركة توسع في المشرق العربي ومحاولة تثبيت لنفوذ يتوسل التركيبة المذهبية للمنطقة مثلما يتوسّل بعض الشعارات القوميّة القديمة عن "إزالة إسرائيل" و"تحرير فلسطين".

أما بالنسبة إلى موسكو، فالأمر يدخل في حسابات كونية يتحكم بها تحسين الموقع التفاوضي لروسيا حيال الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن إحراز قدرة ما على التأثير في العلاقة مع دول المنطقة.

فإذا نهض المشروع الإيراني على الصراع الدائم، والانتقال من تفجير ساحة وطنية إلى تفجير ساحة أخرى، نهض المشروع الروسي على الوصول إلى استقرار تكون اليد العليا فيه لموسكو. وإذا اصطبغ المشروع الإيراني بلون مذهبي حاد، فهذا ما لا يعني الروس "المسيحيين" من بعيد أو قريب.

بالطبع يتساوى المشروعان في استخدامهما الاحتلالي للأرض وللشعب السوريين، وفي دعمهما لنظام مجرم وقاتل كنظام بشار الأسد. مع هذا، فاختلاف طبيعتهما ومراميهما كافٍ لأن يجرهما إلى تناقضات فعليّة.

وحظوظ انجرار كهذا إنما تتضاعف في ظل الضغط الملحاح الذي تمارسه دولة كإسرائيل. ذلك أن الأخيرة التي أثبتت استحالة تعايشها مع الوجود العسكريّ الإيراني في سوريا، إنما تضع الروس أمام خيار صعب: إما نجاح مشروعكم لسوريا، وهو يقوم ضمناً على افتراض الخريطة القائمة بوصفها أمراً واقعاً مفروغاً منه، أو خراب هذا المشروع بأمه وأبيه تحت وطأة الإصرار الإسرائيلي على ضرب التمدد الإيراني.

لكن إذا صح أن الروس انحازوا إلى المقاربة الإسرائيلية، على حساب تلك الإيرانية، فهذا يعني أن الانكفاء الإيراني تحول إلى مسألة وقت تحكمها عناصر تقنية بحتة. وواقع كهذا إنما يضعنا أمام أسئلة محددة:

فأولاً، ماذا ستقول إيران في تبرير انسحابها، بعد كل ما تكبدته في سوريا، دون أن تحصل على أي مكافأة؟

وثانياً، ألن يهتز موقعها في العراق بنتيجة هزيمة كهذه في سوريا، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة التي جعلت كتلة "سائرون" بزعامة مقتدى الصدر الكتلة الأولى في البرلمان؟

وثالثاً، كيف ستتدبر إيران ورطتها الإيديولوجية في ما خص شعاراتها الكاذبة عن القدس وفلسطين، بعد إجلائها عن نقاط التماس مع الدولة العبرية؟

ورابعاً، ما العمل مع "حزب الله" في لبنان، بعد انسحابه من سوريا، وكيف يصرف هذه الطاقة العنفية التي تعاظمت بعد انخراطه في الحرب هناك؟

ما من شك في أن القيادة الإيرانية، التي تعتصرها الأزمة الاقتصادية والعقوبات ونزاعات الأجنحة، ستفكر كثيراً في هذه الأسئلة وفي تأليف أجوبة عنها!