غزاويون خلف السياج الحدودي الشائك.(أرشيف)
غزاويون خلف السياج الحدودي الشائك.(أرشيف)
السبت 2 يونيو 2018 / 20:48

أحجية حصار غزة

الإسهاب في الحديث عن المصير المؤلم لـ "مطار عرفات" ... هو المثال على عقلية التبديد وقصر النظر الذي جرت فيه إدارة أمور غزة خلال العقدين السابقين، والمتواصلة إلى الآن

عام 2007 اكتمل "الحصار الإسرائيلي" لقطاع غزة، بعد أن تدرج منذ النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي عبر تكثيف الاجراءات وعرقلة السفر سواء من غزة الى الضفة الغربية او من خلال معبر رفح نحو مصر، الى إعلان الحصار جواً وبحراً وبراً بعد تدمير "مطار عرفات" في جنوب القطاع على ثلاث مراحل، في 2001 قصف البرج ومحطة الرادار، و2002 تمزيق المدرج بالجرافات، ثم 2006 خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان، حيث أخرج المطار، الذي صممه مهندسون مغاربة، من الخدمة بشكل كلي، فيما بعد سيقوم اللصوص بنهب محتوياته، وستنشأ مهنة جديدة للعاطلين عن العمل في غزة هي جمع الحصى (الحصمة) وبيعها للمقاولين، وستصل مجموعات تحمل شعارات "المقاومة" وتبدأ بتفكيك قضبان الحديد والحجارة وقطع السيراميك والرخام لاستخدامها في بناء "التحصينات"!

الإسهاب في الحديث عن المصير المؤلم لـ "مطار عرفات" كما سمي بعد رحيل عرفات، أو "مطار غزة الدولي" كما سماه ياسر عرفات نفسه عند افتتاحه، أو "مطار الدهنية" كما كانت تطلق عليه اسرائيل، هو المثال على عقلية التبديد وقصر النظر الذي جرت فيه إدارة أمور غزة خلال العقدين السابقين، والمتواصلة إلى الآن.

"حصار غزة" كان الحلقة المكملة لخطة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق "ارئيل شارون" القائمة على الانسحاب من غزة بشكل أحادي، دون التنسيق مع منظمة التحرير والسلطة الوطنية المنبثقة عنها، وتهيئة البنية التحتية لاقتتال فلسطيني داخلي، كانت الفكرة واضحة وبسيطة، الفوضى أولاً ثم يليها الاندفاع والتدافع في محاولة الحصول على قطعة الجبنة المركونة في المصيدة.

الأمر ببساطة "مصيدة مغفلين" نموذجية، يذكر بتلك الديدان التي كنا نشبكها في الفخاخ بعد أن نعثر عليها في أحواض النعناع أو أوراق أشجار التوت، في طفولتنا طبعاً، بحيث تراها الطيور التي تبحث عن صيد سهل، وهي تتلوى تحت الشمس محاولة التخلص من قيدها، بينما الفخ بدهائه ونواياه القاتلة يتخفى تحت طبقة التراب الخفيفة.

هكذا تشكلت الحلقات المؤسسة لحصار غزة، عندما اندفع الجميع نحو مصيدة "حكم غزة"، كان الإخوان المسلمون وذراعهم "حماس" يعرفون جيداً أن "الانقلاب" يعني فصل غزة عن الضفة بكل ما يعنيه هذا الفصل من تدمير للمشروع الوطني الفلسطيني، كان الجميع يعرفون ذلك، ورغم ذلك ذهبوا في مشروعهم مدفوعين بأوهام وتبريرات واصلوا استهلاكها وإعادة إنتاجها عبر أكثر من عقد من السنوات، أوصلت غزة وأهلها إلى الفاقة والبحث عن الموت أو الهجرة، وأوصلت القضية الفلسطينية إلى الجدار.

من يحاصر قطاع غزة الآن، الاحتلال، طبعاً، الذي يغلق عمق البحر والمعابر التي تربط غزة بفلسطين المحتلة والضفة الغربية، ويقنن امدادات الطاقة والغذاء والدواء.

حماس أيضاً تحاصر غزة عبر وضعها رهينة لمشروع الإخوان المسلمين، وتحكمها بمصائر الناس ورزقهم وفشلها الكارثي في إدارة شؤون الحياة هناك، وتهربها من تسليم إدارة القطاع للسلطة.

السلطة الوطنية التي لم تفصل ملف المصالحة "الخالد" عن ملف مسؤوليتها تجاه شعبها، والتي وأوقفت دفع رواتب الموظفين ومخصصات الخدمات فحرمت عشرات آلاف العائلات من دخلها المحدود أصلاً ودفعتهم إلى الفقر والبطالة.

إغلاق معبر رفح المنفذ الوحيد لغزة على مصر والعالم، تم فتحه استثنائياً مع بداية شهر رمضان.
يمكن التقليل من أثر الحصار الاسرائيلي على حياة الناس، ومنحهم أسباباً لمواصلة "الصمود" والمقاومة أيضاً.
يمكن مواجهة هذا الحصار وكشف عنصريته البغيضة للعالم.
يمكن الحصول على مصداقية حقيقية ومقنعة أمام العالم، الأصدقاء والخصوم على حد سواء، وأمام أطفالنا، حين لا نكون شركاء، بوعي أو بدون وعي، في التسبب بمعاناة خمس الشعب الفلسطيني هناك في أقصى الجنوب.