من احتجاجات الأردن ضد رفع الأسعار.(أرشيف)
من احتجاجات الأردن ضد رفع الأسعار.(أرشيف)
الإثنين 4 يونيو 2018 / 21:34

النموذج الأردني

لعل الدرس الأبلغ الذي يمكن استخلاصه من قراءة المشهد الحراكي في الأردن يتمثل في بؤس الرهان على الخروج ضد الدولة والنظام الذي يحكم بشرعية شعبية يؤكدها الشارع الأردني المحصن من تأثيرات الخراب المسمى ربيعاً

نجح الأردنيون في الأيام القليلة الماضية في تقديم نموذج واضح للاحتجاج الحضاري والمعارضة الراشدة، فقد خرجوا إلى الساحات في العاصمة عمان وفي مراكز المحافظات بأعداد كبيرة للاعتراض على تعديلات حكومية مقترحة على قانون الضريبة، من شأنها أن تزيد صعوبة مواجهة استحقاقات الحياة في بلد موارده قليلة وجواره مشتعل بالصراع.

وقد تميز الحراك الشعبي الأردني المعارض للنهج الاقتصادي للحكومة بنضوج الشعار الرافض لهذا النهج وانضباط المحتجين الذين عبرت حضارية حراكهم عن ولائهم لوطنهم وحرصهم على مقدرات الدولة ومؤسساتها، فلم يلجأوا إلى التخريب، ولم يحيدوا في خطابهم وفي مطالبهم عن هدفهم المعلن المتمثل برفض التعديلات الضريبية، والمطالبة بحق الأردني بحياة كريمة في وطنه.

في بداية الحراك راهن المتربصون على خروج الحراك عن النص الوطني، وتوقعوا مواجهات دامية بين المحتجين وقوات الأمن. ويبدو أن هذا الرهان الشيطاني كان دافعاً للجميع، متظاهرين ورجال شرطة، لتقديم نموذج يخيب أمل المتربصين، ويبدد رهانهم الخائب، بل ويحبطهم حين أظهرت الصور الحية من عمان وإربد والمدن الأخرى حماية الشرطة للمتظاهرين والمعتصمين، وقيام رجال الأمن بتقديم عبوات الماء والعصائر للمعتصمين في وقت الإفطار.

لم يكن ذلك جديداً، فقد ألفنا هذا النهج في تعامل الشرطة مع المتظاهرين في مناسبات كثيرة سابقة كان فيها الأردنيون يخرجون إلى الشوارع للتعبير عن مواقفهم الوطنية والقومية الواضحة، وخاصة في ما يتعلق بتضحيات توأمهم الطبيعي في فلسطين وأشقائهم في العراق وغيره من البلاد المبتلاة بالغزو الأجنبي وبالإرهاب الارتزاقي.

لكن ما ميز الحراك الأخير عن غيره من الحراكات السابقة هو موضوعية الطرح والمطالب، ووضوح الخطاب الحراكي الذي قادته النقابات المهنية، وتأكيد هذا الخطاب على أن المعارضة هي احتجاج على النهج الاقتصادي للحكومة وليست معارضة للدولة، كما أكد الخطاب على أن الاحتجاج الشعبي يعبر عن معارضة للسياسات الحكومية وليس رفضاً لشخص رئيس الحكومة أو أعضاء فريقه الوزاري.

في المشهد أيضاً التزام بعدم السماح بتجاوز الخطوط الحمراء، وعدم المساس بالوحدة الوطنية التي تميز المجتمع الأردني بتعددية تغنيه وتزيده قوة ومناعة، وفي المشهد تعبير واضح عن الانسجام حد التماهي بين الشعب والملك في ما يتعلق بالقضايا الكبرى وفي مقدمتها قضية القدس التي يؤكد الأردنيون أنها، مثل كل ما يتعلق بالنضال الوطني الفلسطيني، قضية أردنية لا يجوز فيها الحياد.

محصلة القول إن ما جرى في الأردن خلال الأيام الماضية كان درساً للحكومة بضرورة تقديم البعد الإنساني على أي اعتبار آخر في رسم السياسات الاقتصادية وفي التعاطي مع الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به المملكة في هذه المرحلة، وكان أيضاً درساً للجماعات المتطرفة بضرورة إعادة النظر في خطابها وأطروحاتها العابرة للحدود والتي تعتمد الحث على تفجير داخلي أوضحت الأيام الأخيرة أنه مستحيل التحقق.

ولعل الدرس الأبلغ الذي يمكن استخلاصه من قراءة المشهد الحراكي في الأردن يتمثل في بؤس الرهان على الخروج ضد الدولة والنظام الذي يحكم بشرعية شعبية يؤكدها الشارع الأردني المحصن من تأثيرات الخراب المسمى ربيعاً.

قدم الأردنيون نموذجاً محترما للمعارضة الوطنية التي تعلي قيمة الإنسان وتقدس الوطن، وبغض النظر عن القرارات والإجراءات القادمة لتصحيح المسار الاقتصادي فإن النتيجة الأكيدة هي أن الأردن بخير.